الشاعر فاروق جويدة يسخر من سفر المسؤولين وعودتهم في الكوارث دائمًا

أعرب الشاعر فاروق جويدة عن اندهاشه المتكرر من نمط عجيب أصبح مألوفًا في دوائر السلطة، حين أكد أنه لا يملك سوى أن يتابع من بعيد رحلات المسؤولين الكبار إلى الخارج، في مهام يفترض أنها «عمل رسمي»، أغلبها متجه نحو عواصم أوروبا والولايات المتحدة. أوضح أن هذه الرحلات، التي تتكلف الملايين وتستنزف الوقت والموارد، تتزامن في أغلب الأوقات مع حوادث جسيمة وكوارث داخلية، كأنها ترتبط بها بلعنة غير مفهومة.
استرسل جويدة بتعليق ساخر قائلاً إن العجيب أن تلك الكوارث لا تقع أبدًا إلا بعد أن تطأ أقدام المسؤول أرض المطار متجهًا نحو الخارج، وكأن الأزمات تنتظر اللحظة المناسبة لتنفجر في غيابه، بينما هو يتنقل من فندق لآخر أو يعقد لقاءات «شكلية» في قاعات مغلقة لا تأتي بنتيجة تُذكر.
أشار إلى أن هذه المصادفات المكررة لم تعد تثير الضحك بل تبعث على القلق، متسائلًا باستغراب هل تلك الرحلات لها علاقة بسوء الطالع أم أن الدولة تسير فعلًا بنظام آلي لا يتحمل غياب شخص واحد؟ تساءل عن سبب غياب الخطط البديلة والكوادر التي يمكنها إدارة الأمور في غياب المسؤول، وكأن كل شيء يتوقف تمامًا لمجرد سفر أحدهم لبضعة أيام.
لفت إلى أنه رغم كل هذا العبث المتكرر، فإن من يدفع الثمن ليس المسؤول ذاته، بل المواطن الذي يضطر لتحمل نتائج كارثية على الأرض، بينما المسؤول يعود مسرعًا بطائرة خاصة أو رحلة عاجلة، يُستقبل في المطار بابتسامات باهتة وكأن شيئًا لم يكن، وتطوى صفحة الفشل دون حساب.
أعلن جويدة بأسى أنه بات يشعر بشفقة حقيقية تجاه المسؤول الذي يُجبر على إنهاء زيارته والعودة في ظروف ضاغطة، دون أن يحقق الهدف من الرحلة، لكن هذه الشفقة لا تمنع الإحساس العارم بالمرارة لأن الأزمة الكبرى لم تكن في غيابه، بل في هشاشة البنية التي تنهار مع أول اختبار.
زعم أن الكثير من هذه المهام الخارجية تفتقر للجدوى، وأن الزيارات ليست سوى واجهة لإظهار الحراك السياسي والدبلوماسي، لكنها في جوهرها تبتعد كثيرًا عن الأولويات الحقيقية للناس. شدد على أن استمرار هذا النمط لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانفصال بين المسؤول والواقع، ومزيد من الضجيج بدون طحين.
استدرك جويدة قائلًا إن ما يحزّ في النفس هو أن هذه الظاهرة أصبحت مزمنة، فلا يكاد يغادر أحدهم إلا وتنفجر الأزمات واحدة تلو الأخرى، وكأن البلاد على كف عفريت لا يتحرك إلا في غياب رأسه.
أردف أن صمت الناس لم يعد مؤشرًا على الرضا، بل على التعب واللامبالاة، وأن الثقة تهتز حين ترتبط صورة المسؤول دائمًا بالفشل في الداخل والحضور الفارغ في الخارج، وسط عالم يزداد اضطرابًا.
أكد أن على من يتولى المسؤولية أن يُدرك أن وجوده الحقيقي لا يُقاس بعدد الرحلات ولا بعدد الاجتماعات، بل بقدرته على منع الكوارث قبل أن تقع، لا الظهور في الصورة بعد أن تشتعل النيران.
ختم جويدة كلماته بنبرة حادة قائلاً: ما يحدث ليس صدفة، بل تكرار ممل لمشهد واحد، بطلُه مسؤول يغادر البلد، لتنفجر الأزمات في غيابه، ويعود وسط الدخان، فلا هو أنجز بالخارج، ولا هو أبقى الداخل سالمًا.