سوداني يُسلم جثة بعد اعتقاله وتعذيبه وصمت رسمي يبتلع الجريمة

تسلّمت أسرة المواطن السوداني نيازي صالح جثمانه في صمتٍ ثقيل، بعد أيام من اعتقاله على يد قوات الجيش والخلية الأمنية بمدينة ود مدني، دون توجيه تهمة أو عرض على أي جهة قضائية.
لم تسبق الجثة أي معلومة، ولم تلحقها أي توضيحات. فقط جثمان ممدد، وعلامات الوجع تملأ جسده، وصدمة تنفجر في عيون من استقبلوه.
بدأت القصة مع دخول قوات الجيش السوداني إلى المدينة، لتبدأ معها سلسلة مداهمات واعتقالات عشوائية طالت المدنيين، كان من بينهم نيازي، الذي لم يُعرف عنه انتماء سياسي أو نشاط علني.
جرى اقتياده من منزله واختفاؤه كأن الأرض ابتلعته. ظلت أسرته تبحث عن مكان احتجازه، وكل الأبواب مغلقة، والردود صامتة، والقلق يتضخم حتى انكسر أخيرًا بوصول الجثمان.
لم تُبلغ العائلة بأي تفاصيل. لم تُعرض عليها نتائج فحص أو تقرير. لم يُشرح لهم كيف تحوّل رجل حيّ إلى جثة في وقت قصير. ما هو مؤكد فقط أن جسد نيازي لم يرجع كما خرج، وعليه آثار تُشير إلى أن ما جرى داخل المعتقل لم يكن احتجازًا بل تعذيبًا متواصلًا، أو إهمالًا قاتلًا، أو كلاهما معًا.
في دولة تتآكل فيها العدالة من الداخل، وتغيب فيها المساءلة كليًا، لا يظهر مسؤول ليعترف، ولا تُفتح ملفات لبحث الحقيقة. يتحوّل المواطن إلى رقم، ويُسلم إلى أهله ميتًا، ويُطلب منهم الصمت وكأن ما جرى حادث عرضي.
تزامن الحادث مع تصاعد ملحوظ في الانتهاكات التي ترتكبها القوات النظامية السودانية ضد المدنيين، خاصة في المناطق التي تستعيد السيطرة عليها بالقوة، حيث أصبحت الاعتقالات بلا سبب، والاحتجاز بلا محامٍ، والتعذيب بلا حساب.
لا يُعرف كم عدد من يواجهون المصير ذاته في زنازين بلا نوافذ، ولا يعلم أحد عدد الجثث التي لم تصل بعد إلى ذويها. ما يحدث في ود مدني ليس استثناء، بل جزء من مشهد يتكرر في أكثر من مدينة سودانية، وسط صمت مريب من كل الجهات المسؤولة.
تسلّمت الأسرة الجثمان، لكن أحدًا لم يتسلّم المسؤولية. قُتل نيازي صالح، لكن أحدًا لم يُسأل كيف ولماذا ومتى. عاد جثمانه إلى منزله، لكن الحقيقة لم تعد معه، والعدالة لم تحضر الجنازة.
في السودان اليوم، لا تحتاج لذنب حتى تُعذب. يكفي فقط أن تكون في المكان الخطأ، أو تحت سلطة ترى أن السجن أسهل من الحوار، وأن الموت أيسر من المحاكمة. تختطفك القوة، تسجنك الجهة، تعذّبك الخلية، ثم تعود جثة صامتة، بينما القتلة يتجوّلون بلا خوف.