اقتصاد

صفقة بنزين مشبوهة تكشف خسائر بـ 12 مليار دولار داخل شركة بترول إندونيسية

تفجّرت وقائع صادمة كشفت عن حجم الانهيار الداخلي المدمر داخل شركة برتامينا الإندونيسية للبترول، بعدما تكشفت تفاصيل عمليات تبادل غامضة لبنزين مدعوم ومخلوط تسببت في خسائر فلكية قدرت بنحو 12 مليار دولار، في واحدة من أكبر الفضائح التي هزّت القطاع النفطي في البلاد حتى منتصف عام 2025.

اتهمت السلطات حتى الآن 18 شخصًا بالضلوع المباشر في هذا الملف المعقد، الذي يمتد عبر سنوات من التلاعب المنظم والإدارة المزدوجة للموارد المدعومة، وسط صمت طويل ومحاولات خبيثة لإخفاء معالم الكارثة تحت ستار المصالح الاستراتيجية و”الإصلاحات المؤقتة”.

أكدت التحقيقات أن عمليات التبادل لم تكن عشوائية بل جرى تنظيمها بدقة متعمدة ضمن شبكات محلية وخارجية تستفيد من التباين بين البنزين المدعوم والمنتجات المخلوطة، ما سمح بتضخيم الفوارق السعرية وتحقيق أرباح غير مشروعة على حساب المال العام.

أشار مراقبون إلى أن القضية لم تكن وليدة اللحظة، بل ثمرة مباشرة لتراكمات سنوات من التهاون الرقابي، وسكوت مريب عن مؤشرات الخلل المتصاعدة، في ظل نظام داخلي هش سهّل تغلغل مافيا الطاقة إلى قلب واحدة من أكبر الشركات النفطية في جنوب شرق آسيا.

زعم مسؤولون سابقون داخل الشركة أن التلاعب تم عبر آليات توزيع مشوشة، ومخازن وهمية، وتوقيعات مشكوك فيها، ودفاتر حسابات تُعدّل بطريقة احترافية لتغطي على فروق الكميات والأنواع. وُظفت فيها التكنولوجيا لخدمة الاحتيال بدلًا من تطوير كفاءة التوزيع، فيما جرى تزييف بيانات الشحنات لإيهام الجهات المعنية بأن كل شيء “يسير على ما يرام”.

لفت متخصصون إلى أن خسارة 12 مليار دولار في بنزين مدعوم ليست فقط رقمًا مرعبًا، بل دليل صارخ على عمق الفساد المؤسسي الذي يضرب القطاع، حيث يذوب الدعم الحكومي الموجه للمواطنين في قنوات غير مشروعة، وينتهي في حسابات خاصة لا علاقة لها بمصلحة الدولة أو الشعب.

أوضح متابعون أن تورط 18 مشتبها بهم حتى يوليو 2025 لا يعكس إلا قمة جبل الجليد، في ظل الحديث عن أسماء نافذة لم يُقترب منها بعد، إما لاعتبارات سياسية أو لضمان تماسك الصورة الخارجية للشركة، التي تدّعي أنها تتبع أحدث معايير الشفافية والحوكمة.

استرسل معنيون في رصد أنماط السلوك المتكررة داخل برتامينا، ليظهر أن المنظومة شجعت على الاستفادة الخاصة من الوقود المدعوم، عبر تغيير وجهته أو خلطه بمنتجات أقل جودة، ثم إعادة بيعه بأسعار تجارية، مما خلق حلقة مغلقة من الربح الأسود يموّل نفسه بنفسه دون أن تترك خلفه أثرًا واضحًا للمحاسبة.

أردف مختصون أن ما جرى داخل الشركة لا يمكن تصنيفه كـ “حادث فردي”، بل هو نتيجة حتمية لتآكل منظومة الرقابة، وتراخي المؤسسات المعنية، وتضارب المصالح بين من يُفترض بهم حماية المال العام وبين من يغمسون أيديهم في صفقات ملطخة بالفساد.

أعلن محللون أن الانعكاسات المتوقعة لهذه الكارثة تتجاوز الأرقام، وتهدد بتقويض ثقة المواطنين في برامج الدعم، وفتح المجال واسعًا أمام موجة من الغضب الشعبي والمطالبات بالمحاسبة الشاملة دون استثناء أي طرف، مهما كانت درجته أو علاقاته.

استدرك مراقبون أن محاولات التعتيم المستمرة، وغياب الإيضاحات الحقيقية، يفتحان الباب أمام تكهنات واسعة بشأن حجم التورط الفعلي، ومدى انتشار الظاهرة في شركات أخرى تعمل ضمن ذات القطاع، مما يضع علامات استفهام كبرى حول مستقبل سوق الطاقة في إندونيسيا.

بهذا الملف الحارق، تكون شركة برتامينا قد وقعت في مأزق غير مسبوق، حيث لا تكفي بيانات إنكار أو شعارات إصلاح لتغطية هذا النزيف الهائل من المال العام، في وقت يتصاعد فيه الوعي الشعبي والمطالبات بمحاسبة تبدأ من القاعدة حتى قمة الهرم التنفيذي دون أي تمييز أو غطاء سياسي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى