صفقة 1.2 مليار دولار تستحوذ على أرامكس مصر بسعر 3 دراهم للسهم

أعلن جهاز حماية المنافسة المصري موافقته على صفقة تمهد لاستحواذ شركة تابعة لصندوق أبوظبي السيادي بالكامل على شركة أرامكس مصر، في خطوة أثارت تساؤلات عاصفة حول شفافية الإجراء وغياب أدنى مستويات التدقيق الحقيقي في الآثار الاقتصادية. الصفقة جاءت ضمن مخطط أكبر لشراء الشركة الأم عالميًا، مقابل مبلغ لا يتجاوز 3 دراهم فقط للسهم، رغم تقدير قيمة الشركة بنحو 4.39 مليار درهم، ما يعادل 1.2 مليار دولار.
كشفت المتابعة الدقيقة أن الصفقة تمت عبر «كيو لوجيستيكس»، وهي شركة إماراتية تابعة مباشرة لصندوق ADQ السيادي، لتستحوذ على 100% من أسهم أرامكس مصر دفعة واحدة، دون أن يصدر أي اعتراض معلن من أي جهة رقابية مصرية أو أي وقفة تفسيرية حقيقية لحجم التركز الذي قد ينتج عن تلك العملية. لم يصدر أي نقاش علني حول تأثيرات ذلك على السوق المحلية، ولا أُعلن عن مشاورات مع أطراف الصناعة أو الفاعلين المحليين.
أكدت البيانات أن السعر المحدد بـ3 دراهم للسهم يحمل في طياته علامة استفهام ضخمة، حيث يمثل علاوة بنسبة 30% فقط على السعر السوقي الأخير الذي بلغ 2.25 درهم، في وقت كان من المتوقع أن تكون التقييمات أعلى بكثير نظرًا لحجم أعمال الشركة وتاريخها في قطاع النقل والشحن. هذا السعر المنخفض اعتُبره مراقبون تسليعًا فاضحًا لقيمة أصول ضخمة تعمل في أكثر من 70 دولة، ولها تواجد في 600 مدينة حول العالم.
استكملت الصفقة بتنسيق بين المجموعة المالية هيرميس، ودبي الوطني كابيتال، اللتين تولّتا عملية الترتيب والتنفيذ، دون أن يتضح ما إذا كان قد تم عرض الأمر للمنافسة أو فُتح الباب لمستثمرين محليين أو إقليميين آخرين. بهذا الشكل، بات واضحًا أن الصفقة جرى تمريرها عبر قنوات مغلقة بلا شفافية، وبصمت مُطبق من الجهاز المعني بحماية المنافسة، والذي اكتفى بعبارة أن الصفقة “لا تُخل بهيكل السوق المحلي”.
تبيّن أن عملية الشراء جاءت امتدادًا لحملة استحواذات سابقة، إذ إن صندوق أبوظبي كان يمتلك بالفعل 22.69% من أسهم أرامكس الأم، ليكمل الحيازة الآن بحصة إضافية بلغت 35.31% من خلال هذا الطرح النقدي. وبعد استكمال الاكتتاب في 28 مارس 2025، ارتفعت الحيازة الإجمالية لـ”كيو لوجيستيكس” إلى 58%، أي ما يجعلها مالكة القرار الأوحد فعليًا داخل أرامكس، دون أي موازنة أو مشاركة من مستثمرين مستقلين.
أشار مراقبون أن الصفقة تتجاوز في خطورتها مجرد استثمار عابر، بل تمثل نموذجًا صارخًا لتحكم رأس المال السيادي في قطاع النقل المصري، وسط غياب كامل لأدوات الردع الرقابي. ذلك في وقت تم التغافل فيه عن احتمالية تراجع فرص المنافسة لصالح لاعب مهيمن واحد، بات يمتلك السلطة التشغيلية واللوجستية من القمة إلى القاع.
تحدث متابعون اقتصاديون عن أن هذه الصفقة ليست مجرد استحواذ تجاري، بل تحرك ممنهج لنقل أصول لوجستية حيوية من أيدٍ محلية إلى تحكم خارجي كامل، تحت ستار “التكامل الإقليمي”، في حين أن ما يجري فعليًا هو إفراغ السوق المحلي من مراكز قوته، مقابل أسعار متدنية لا تعبّر عن القيمة الحقيقية للأصول.
في ظل هذا الصمت الرسمي، وغياب أي مساءلة عامة، تظل الأسئلة قائمة: من المستفيد الحقيقي من هذا البيع؟ ولماذا لم تتم أي مناقصة مفتوحة؟ وهل يملك الجهاز الرقابي الشجاعة لمراجعة الصفقة مجددًا في ضوء تداعياتها على البيئة التنافسية؟
صفقة أرامكس تكشف عن خلل أعمق من مجرد استحواذ، بل توضح كيف يمكن تمرير صفقات بالمليارات بهدوء تام، وسط غياب صوت المحاسبة، وتواطؤ الصمت المؤسسي.