حقوق وحريات

احتجاز صحفية بزيمبابوي بعد وصفها البلاد بعش مافيا سياسي قذر

أوقفت سلطات الأمن في العاصمة هراري الصحفية البارزة فيث زابا، المحررة بجريدة Zimbabwe Independent، بعد نشر مقال ساخر وجهت فيه سهام النقد الحاد لسلطة الحكم، ووصفت فيه البلاد بعبارات أقل ما توصف به أنها “عش مافيا”، مما أشعل غضبًا عارمًا في أجهزة الدولة وأثار ذعرًا واضحًا داخل دوائر القرار.

اتهمت السلطات الصحفية بتهمة “إهانة الرئيس”، استنادًا إلى نص قانوني يستخدم بشكل متكرر لتكميم الأفواه وإسكات الأصوات التي تجرؤ على لمس خطوط النظام الحمراء، بينما اكتفت أجهزة الأمن بترديد اتهامات فضفاضة، زاعمة أن المقال تجاوز حدود النقد ووصل إلى مستوى “تقويض سلطة الدولة”، دون أن تقدّم أي دليل سوى كلمات أغاظت الحاكم.

أحالت الأجهزة الأمنية الصحفية إلى أحد مراكز الشرطة في هراري، وأبقتها قيد الاحتجاز، متذرعة بأن المقال تضمّن إشارات ساخرة على شكل هجاء سياسي تناول فيه الكاتب تدخلات مزعومة للسلطة في الانتخابات المجاورة، وعرّى هيكل الحكم الذي بدا وكأنه لا يحتمل أدنى وصف خارج دائرة التبجيل والتهليل.

أجلت المحكمة النظر في طلب الإفراج عنها تحت ذريعة فحص سجلاتها الطبية، متجاهلة حالتها الصحية المتدهورة، بينما ظلت زابا محتجزة خلف القضبان داخل مركز لا يصلح لحجز مواطن عادي، فما بالك بصحفية لم تحمل سوى قلم وورقة وصيغة ساخرة جرحت غرور السلطة.

انطلقت موجة تنديد عارمة داخل الأوساط الإعلامية والحقوقية، معتبرة أن ما جرى للصحفية يُعيد للأذهان ممارسات تتعمد سحق الإعلام المستقل، وتعيد ترسيخ واقع تزحف فيه السلطة على كل مساحة للنقد والحرية والتنوع.

ظهرت حالة الخوف جلية في تعامل السلطات مع مقال رأي لم يتجاوز حجمه بضعة أسطر، لكنه ضرب في عمق الخرافة السياسية التي تدّعي الديمقراطية، بينما تمارس القمع كأداة يومية لضبط المشهد على المقاس.

تكرر الأسلوب ذاته قبل ذلك مع صحفيين آخرين من نفس المؤسسة الإعلامية، حيث جرى سجن الصحفي بليسد ملانغا لمدة قاربت 11 أسبوعًا دون محاكمة عادلة، تحت دعاوى متكررة بأن الكتابات تُضعف الدولة وتهز صورتها، كما لو كانت الصورة هشّة لهذا الحد.

تكشف هذه الواقعة أن الحاكم لا يطيق حتى المزاح، وأن من يحكم لا يثق بنفسه لدرجة أن عبارة ساخرة قادرة على إرباكه، وتدفع أجهزته لشن حملة أمنية على مجرد مقال رأي، ما يُظهر هشاشة كاملة في بنية الحكم، وتحولًا مخيفًا في علاقة السلطة بالصحافة.

تجسد محاكمة زابا مرحلة متقدمة من الانهيار السياسي، حيث تُعامل الكلمات كجريمة، وتُخضع حرية التعبير لمحاكم التفتيش، ويُزج بالصحفيين خلف القضبان لمجرد أنهم وصفوا الواقع كما هو، بلا تزويق ولا تزييف.

بدا من الواضح أن النظام هناك فقد أعصابه، وأنه كلما كتب صحفي كلمة تُغضب الحاكم، انهالت عليه العقوبات والمحاكمات، ما يشير إلى نظام لا يثق إلا في المديح، ويرى في النقد جريمة تقتضي السجن والإهانة والتنكيل.

ما حدث في هراري ليس مجرد حادثة عابرة، بل كاشف صريح لوضع يُدار بالبطش لا بالقانون، وبالعصا لا بالمؤسسات، ويبرهن أن الكلمة الحرة أصبحت خطرًا وجوديًا على سلطة تحكم بمنطق “إما معنا أو في السجن”.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى