أزمة سد النهضة تهدد استقرار مصر المائي وأميركا تدخل على خط الوساطة

تشهد قضية سد النهضة الإثيوبي تصاعدًا مستمرًا في الأهمية الإقليمية والدولية، وسط مخاوف متنامية من انعكاساتها على الأمن المائي لمصر، الدولة التي تعتمد بشكل شبه كامل على مياه نهر النيل كمصدر أساسي للحياة والتنمية.
في ظل هذا الواقع، تتزايد التحذيرات من تداعيات عدم التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن إدارة وتشغيل السد، مما يهدد بتفاقم التوترات في منطقة تعاني أصلًا من هشاشة الجغرافيا السياسية وتداخل المصالح الدولية.
السد، الذي تصفه التقارير بأنه من بين أكبر المشاريع الهيدروليكية في العالم، تمضي إثيوبيا قدمًا في تشغيله وملء خزانه، رغم اعتراضات القاهرة والخرطوم.
وفي حين تعتبره أديس أبابا مشروعًا سياديًا لتنمية الاقتصاد وتوفير الكهرباء، ترى فيه مصر تهديدًا وجوديًا، إذ أن أكثر من 95% من احتياجاتها المائية تأتي من النيل الأزرق، الذي ينبع من الهضبة الإثيوبية.
الاهتمام الأميركي المتجدد بملف السد يعكس إدراكًا متزايدًا لأهمية هذه القضية على المستويين الإقليمي والدولي. فاستمرار الجمود السياسي في المفاوضات بين الأطراف الثلاثة – مصر، السودان، وإثيوبيا – ينذر بمخاطر أمنية تمتد إلى ما هو أبعد من الحدود الجغرافية المباشرة. الولايات المتحدة، التي تسعى للعب دور الوسيط النزيه، تؤكد أن ضمان حقوق مصر المائية يمثل أولوية استراتيجية لمنع اندلاع أزمات قد تؤثر على استقرار منطقة القرن الإفريقي وشمال إفريقيا بأكملها.
مصادر دبلوماسية تشير إلى أن هناك تحركات خلف الكواليس تهدف لإحياء المفاوضات، مع تشجيع الأطراف على تقديم تنازلات تتيح التوصل إلى صيغة توافقية. ويُعتقد أن واشنطن تمارس ضغوطًا ناعمة على جميع الأطراف لتجنب الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة أو تصعيد غير محسوب، خاصة في ظل المتغيرات الدولية الراهنة والحرب في أوكرانيا وتنامي التنافس الصيني-الأميركي في إفريقيا.
في المقابل، تبدي إثيوبيا تمسكًا بموقفها، مستندة إلى خطاب التنمية والحقوق السيادية في استغلال الموارد الطبيعية. وتراهن على الدعم الشعبي الداخلي لمشروع يوصف بأنه “حلم وطني”، رغم الانتقادات الإقليمية والدولية التي تطال طريقة إدارته وتأثيراته العابرة للحدود.
أما مصر، فتواصل حملتها الدبلوماسية على مختلف الأصعدة، مؤكدة أن الحل السياسي هو الخيار المفضل، لكنه لا يعني التهاون بحقوقها التاريخية في مياه النيل. وتحذر من أن أي مساس بهذه الحقوق سيُقابل بردود تتناسب مع حجم التهديد، في إشارة واضحة إلى أن جميع الخيارات لا تزال مطروحة على الطاولة.
وفي ظل غياب اتفاق نهائي، تبقى الأزمة مفتوحة على كافة السيناريوهات، من استمرار التفاوض تحت الضغط الدولي، إلى التصعيد السياسي أو حتى المواجهة المحتملة، إذا ما فشلت المساعي الرامية إلى تجنيب المنطقة مزيدًا من التوتر.