مصر

أسعار خيالية في الساحل الشمالي تثير جدلاً واسعاً وسط ركود اقتصادي خانق

شهدت أسعار العقارات والإيجارات في منطقة الساحل الشمالي المصرية خلال موسم صيف 2025 ارتفاعاً غير مسبوق، أثار حالة من الدهشة والجدل في الأوساط الاجتماعية والاقتصادية.

فقد تخطى سعر المتر المربع في بعض المشروعات السياحية الفاخرة حاجز الـ900 ألف جنيه، بينما وصلت تكلفة الإقامة لليلة واحدة في بعض المنتجعات إلى نحو 1300 دولار، ما يعادل قرابة 60 ألف جنيه مصري، وهو رقم يفوق قدرة غالبية المصريين ويتجاوز حتى أسعار فنادق عالمية في وجهات سياحية شهيرة بالخارج.

طفرة سعرية بلا مبرر اقتصادي واضح

الارتفاع اللافت في الأسعار لا يوازيه نمو موازٍ في الطلب الحقيقي، بحسب متابعين للقطاع العقاري والسياحي، مما يطرح تساؤلات حول من يقف وراء هذه الموجة السعرية.

ويبدو أن السوق يستهدف شريحة ضيقة من النخبة القادرة على دفع هذه المبالغ، بينما تتراجع فرص الأسر المتوسطة أو حتى فوق المتوسطة في قضاء عطلتها داخل بلدها.

هذا التضخم في الأسعار لا يرتبط فقط بجودة الخدمات أو التسهيلات، بل يغذيه عاملان رئيسيان: التسويق المكثف للمشروعات باعتبارها “فرصة استثمارية”، واحتكار بعض الشركات الكبرى لمساحات ضخمة من الشريط الساحلي، ما يحد من التنافسية ويعزز التسعير المبالغ فيه.

الساحل الشمالي يتحول إلى جزيرة للنخبة

شهدت السنوات الأخيرة تحول الساحل الشمالي من كونه وجهة شعبية صيفية إلى ما يشبه “جزيرة مغلقة” على الطبقة الثرية. فالمجمعات السكنية المغلقة (الكمباوندات) تطورت من وحدات سكنية بسيطة إلى فيلات وشاليهات فاخرة بخدمات فندقية كاملة، ومطاعم عالمية، وأماكن ترفيه تتطلب حجوزات مسبقة ومصاريف مرتفعة، ما أدى إلى نوع من العزل الطبقي في واحدة من أكثر المناطق شهرة في مصر.

انعكاسات اجتماعية واقتصادية مقلقة

هذا التوجه نحو رفع الأسعار إلى مستويات فلكية يأتي في وقت يعاني فيه السوق المصري من أزمة اقتصادية خانقة، تتجلى في تآكل القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع أسعار السلع الأساسية، ما يجعل هذه الفجوة الطبقية أكثر وضوحاً. في المقابل، يرى البعض أن هذه المشروعات تمثل روافد مهمة للعملة الصعبة وجذب الاستثمار من المصريين بالخارج والأجانب، إلا أن هذه المبررات تصطدم بواقع يعاني فيه قطاع السياحة المحلي من ركود، وانخفاض في معدلات الإشغال، خاصة بين الشرائح المتوسطة.

الرقابة الغائبة والدور الحكومي المفقود

يثير هذا الوضع تساؤلات حول دور الجهات التنظيمية والرقابية، ومدى فاعلية السياسات الحكومية في تحقيق التوازن بين تشجيع الاستثمار العقاري وبين ضمان حق المواطن في الاستفادة من الشواطئ والمرافق العامة. ويطالب خبراء بضرورة وضع آليات لتسعير الخدمات والإيجارات في المناطق السياحية، بما يمنع التلاعب، ويحفظ الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية.

في المحصلة، يبدو أن الساحل الشمالي أصبح مرآة واضحة لاختلالات اقتصادية واجتماعية أعمق، يحتاج التعامل معها إلى رؤية متوازنة تضمن الاستدامة، دون أن تتحول الوجهات السياحية إلى حكر على فئة واحدة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى