
في لحظة دقيقة من تاريخ المنطقة، ووسط تصاعد التوترات في الجنوب السوري، توالت سلسلة من المواقف السياسية العربية والإقليمية تعبّر عن تحوّل استراتيجي واضح في التعامل مع المشهد السوري، خاصة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير الذي استهدف مواقع لقوى الأمن التابعة للحكومة في محافظة السويداء.
ففي يوم 15 يوليو 2025، صدرت بيانات رسمية عن تركيا والمملكة العربية السعودية ودولة قطر، عبّرت جميعها عن:
• إدانة صريحة للعدوان الصهيوني المتكرّر على الأراضي السورية.
• ودعم واضح ومباشر للحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، في مساعيها لمواجهة محاولات التشظي والانقسام، واستعادة سلطة الدولة وبسط الأمن والسيادة.
هذا التلاقي السياسي العربي–الإقليمي لم يأتِ من فراغ، بل يعكس تحولًا حقيقيًا في نظرة الدول الفاعلة إلى مستقبل سوريا، ويؤسس لمرحلة جديدة من الاصطفاف إلى جانب الدولة السورية لا ضدها.
أولًا: تركيا تدعم الدولة السورية وتدين العدوان بلا مواربة
في بيان قوي اللهجة، أدانت وزارة الخارجية التركية استخدام إسرائيل للقوة العسكرية في الجنوب السوري، معتبرةً أن هذه الاعتداءات تمثل تهديدًا مباشرًا لاستقرار الإقليم.
لكن الأهم من الإدانة، كان تأكيد أنقرة دعمها الكامل للحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، مشيدة بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة لبسط سيادتها وتعزيز الاستقرار في جميع المناطق السورية.
هذا الموقف التركي، الذي بات اليوم واقعًا معلنًا، يعكس اعترافًا سياسيًا كاملاً بالحكومة الشرعية الجديدة، واصطفافًا واضحًا إلى جانب مشروع الدولة السورية في مواجهة التحديات، سواء الخارجية أو الداخلية.
ثانيًا: السعودية تؤكد وقوفها مع وحدة سوريا ومؤسساتها
في بيان مماثل، عبّرت وزارة الخارجية السعودية عن ارتياحها لإجراءات الحكومة السورية لضبط الأمن في محافظة السويداء، ورفضها القاطع للعدوان الإسرائيلي، الذي وصفته بأنه “اعتداء سافر على السيادة السورية”.
لكن الأهم، أن السعودية أعلنت بوضوح دعمها لوحدة سوريا وسلامة أراضيها، وتقديرها للجهود الحكومية في إعادة بسط سلطة الدولة ومواجهة محاولات التفكيك والانفصال.
ويُظهر هذا الموقف أن المملكة باتت تنظر إلى الحكومة السورية الجديدة لا كطرف في نزاع داخلي، بل كركيزة أساسية لاستعادة الدولة الوطنية السورية، وبوابة الاستقرار الإقليمي الأشمل.
ثالثًا: قطر ترحّب بخطوات الحكومة السورية وتدعم المصالحة الوطنية
ومن الدوحة، جاء موقف وزارة الخارجية القطرية ليؤكد ذات الاتجاه. فقد رحّبت قطر بإعلان الحكومة السورية وقف إطلاق النار في مدينة السويداء، واعتبرته “خطوة مهمة نحو تعزيز السلم الأهلي والأمن الداخلي”.
كما شددت على دعمها الكامل لكل ما تتخذه الحكومة السورية من إجراءات لحفظ السيادة، وتعزيز المؤسسات، والمضي قدمًا نحو المصالحة الوطنية وحماية المدنيين.
إن الموقف القطري لم يعد تقليديًا أو رماديًا، بل بات جزءًا من خارطة الدعم الجديدة التي تتشكل حول الدولة السورية، في مواجهة تحديات الأمن والشرعية والتمزيق.
رابعًا: حكومة أحمد الشرع… مواجهة مزدوجة للعدوان والتشظي
في ظل هذا الإجماع الإقليمي، تواصل الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع مهمة معقدة ومزدوجة: مواجهة العدوان الصهيوني المستمر، وفي الوقت نفسه مواجهة التشظي الداخلي الذي غذّته سنوات من الفوضى، والتمرد المسلح، والمشاريع الانفصالية.
ومن الجنوب إلى الشمال، تمضي الحكومة في خطوات عملية لبسط سلطة الدولة، وتفكيك بؤر التمرّد، واستعادة وحدة القرار والمؤسسة.
لقد تحولت مواجهة “الإدارات الذاتية”، و”الخصوصيات المحلية”، و”المليشيات الخارجة عن القانون”، إلى معركة وطنية شاملة ضد التفكك السياسي والجغرافي، تخوضها الدولة السورية بمسؤولية، وبدعم إقليمي يتسع يومًا بعد يوم.
خامسًا: مشهد سياسي جديد… تحالف استقرار في وجه مشاريع الفوضى
المواقف التركية والسعودية والقطرية لا تُقرأ باعتبارها مجرد رد فعل مؤقت، بل تشير إلى تشكل محور إقليمي–عربي داعم للدولة السورية، في مواجهة ثلاثية معقدة:
• العدوان الإسرائيلي الساعي لإضعاف الجيش والدولة.
• النزعات الانفصالية التي تهدد وحدة الأرض.
• إرث التدويل والتفكيك الذي عمّق الانقسام طوال العقد الماضي.
هذا المحور الجديد، بدعمه السياسي الواضح، يُعيد الاعتبار للدولة السورية، ويمنحها هوامش أوسع للتحرك إقليميًا، ومكانة متجددة في الخارطة السياسية للمنطقة.
ختامًا: سوريا الجديدة في قلب المشهد العربي
لم تعد الحكومة السورية الجديدة تُكافح وحدها، ولم يعد العدوان الصهيوني يمرّ بصمت، بل تشهد سوريا اليوم عودة تدريجية إلى محيطها العربي والإقليمي من بوابة الشرعية والدولة والسيادة.
وفي ظل الدعم المتنامي من تركيا والسعودية وقطر، تكتسب معركة سوريا ضد الاحتلال والانقسام بعدًا استراتيجيًا، يتجاوز مجرد تثبيت سلطة، ليصل إلى إعادة بناء الدولة من جذورها… دولة موحدة، مستقرة، مستقلة القرار.
سوريا لا تواجه فقط غارات من الخارج، بل تواجه معركة داخلية مع آثار التشظي والانقسام، وهي معركة لا تقل شراسة، لكنها بدأت تُخاض بثقة، وبمساندة صادقة من الحلفاء.
وإذا استمر هذا الزخم، فإن سوريا قد تُصبح قريبًا عنوانًا للعودة لا للسقوط… للتماسك لا للتمزق… وللنهوض لا للانتظار.