طفل كل ثانية في مصر: انفجار سكاني يهدد جهود التنمية المستدامة

تشهد مصر نموًا سكانيًا متسارعًا يفرض تحديات جسيمة على الدولة ويضع خطط التنمية المستدامة أمام اختبار حقيقي. في كل ثانية تقريبًا، يولد طفل جديد، بمعدل يومي يتجاوز خمسة آلاف مولود، مما يثير القلق بشأن مستقبل الموارد والخدمات العامة في البلاد.
هذه الزيادة الهائلة في عدد السكان تمثل عبئًا مضاعفًا على مختلف القطاعات، لا سيما التعليم والصحة والإسكان والبنية التحتية وسوق العمل. ومع اتساع الفجوة بين معدلات النمو السكاني والإمكانات الاقتصادية، تُطرح تساؤلات جادة حول كيفية ضمان جودة الحياة وتحقيق التنمية البشرية في مجتمع يزداد عدد سكانه بوتيرة غير مسبوقة.
يرى خبراء في السياسات السكانية والتنمية أن استمرار هذا المعدل المرتفع للمواليد قد يؤدي إلى آثار سلبية متعددة على المدى المتوسط والبعيد. من أبرزها تآكل مكتسبات التنمية، وزيادة معدلات البطالة، وارتفاع نسب الفقر، إلى جانب التحديات البيئية الناتجة عن الضغط المتزايد على الموارد الطبيعية.
في ظل هذا الواقع، تتجه الأنظار نحو الاستثمار في العنصر البشري كأداة استراتيجية لمواجهة هذه التحديات. ويأتي التعليم في مقدمة الأولويات، ليس فقط بوصفه حقًا أساسيًا، بل باعتباره ركيزة للنهوض بالمجتمع وبناء أجيال قادرة على المشاركة الفاعلة في سوق العمل. ويرتبط بذلك تمكين الفئات الأكثر تضررًا، لاسيما النساء والشباب، من خلال توفير فرص عادلة ومتساوية في التعليم والعمل والمشاركة المجتمعية.
ويشير تحليل الوضع السكاني في مصر إلى أن الكثافة السكانية تتركز بشكل رئيسي في مناطق محددة، مما يزيد من الضغط على الخدمات المحلية ويخلق تفاوتات تنموية واضحة بين الأقاليم. كما يبرز التحدي المرتبط بثقافة الإنجاب، حيث لا تزال بعض الفئات المجتمعية تنظر إلى زيادة عدد الأبناء كضمان اقتصادي أو اجتماعي، ما يستدعي تعزيز الوعي بأهمية تنظيم الأسرة وربط الإنجاب بالقدرة على تربية وتعليم الأطفال بشكل لائق.
من جانب آخر، فإن الخطط الحكومية الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، تواجه صعوبات في التوفيق بين معدلات الإنجاز الطموحة والزيادة المستمرة في عدد السكان. إذ تعني كل زيادة في عدد المواليد مزيدًا من المدارس والمستشفيات والطرق والمياه النظيفة والطاقة وغيرها من المتطلبات الأساسية، ما يتطلب مضاعفة الجهد والتمويل.
ولم تعد القضية السكانية مجرد رقم، بل تحولت إلى أحد أبرز التحديات التي تحدد مصير التنمية في مصر. لذلك، فإن صياغة رؤية وطنية متكاملة، تتضافر فيها جهود الدولة والمجتمع المدني ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية، أصبحت أمرًا ملحًا وضروريًا لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.