حقوق وحريات

محاكمة استثنائية تهدد حياة عشرة نوبيين بالسعودية وسط صمت رسمي مصري

تتجه الأنظار خلال الأيام المقبلة إلى جلسة حاسمة يُنتظر فيها النطق بالحكم بحق عشرة مواطنين مصريين من أبناء النوبة، تحتجزهم السلطات السعودية منذ أكثر من عامين، وسط مطالبات حقوقية متصاعدة بالإفراج الفوري عنهم ووقف المحاكمة التي وُصفت بأنها تفتقر لأبسط مقومات العدالة.

بدأت فصول هذه القضية في أكتوبر 2019، عندما نظمت مجموعة من الجمعيات النوبية في السعودية فعالية ثقافية لإحياء ذكرى انتصار أكتوبر، في إطار نشاط اجتماعي غير ذي طابع سياسي. غير أن هذه الفعالية تحولت لاحقًا إلى بداية مأساة إنسانية وقانونية، بعدما قامت السلطات السعودية باعتقال عدد من المشاركين، ثم الإفراج عنهم لاحقًا مع فرض قيود على حريتهم في التنقل، قبل أن تعيد احتجازهم في منتصف يوليو 2020 دون تحقيقات أو توجيه تهم واضحة.

الاحتجاز الطويل تم في ظروف قاسية، داخل سجن عسير في مدينة أبها، حيث حُرم المحتجزون من التواصل مع عائلاتهم لفترات طويلة، كما مُنعوا من توكيل محامين للدفاع عنهم، واقتصر التمثيل القانوني على محامين منتدبين من المحكمة نفسها، ما يثير شكوكًا جدية حول حيادية إجراءات التقاضي. ورغم تقديم الدفاع لمزاعم بشأن تعرض المحتجزين لإكراه وانتزاع اعترافات تحت الضغط، مضت المحكمة في نظر القضية، مما يعكس طابعها الاستثنائي وغير الشفاف، بحسب مصادر حقوقية.

تشير تفاصيل القضية إلى أن التهم الموجهة لهؤلاء العشرة تتمحور حول “الانتماء إلى كيان غير مرخص”، و”تنظيم تجمعات غير مصرح بها”، في حين يربط المراقبون هذه التهم بكونها موجهة في الأساس بسبب الانخراط في جمعيات ثقافية نوبية تهدف إلى الحفاظ على الهوية والتراث النوبي في الخارج. ووفق شهادات أقارب بعض المحتجزين، فإن التهم أخذت منحى سياسيًا خطيرًا بعد تحويل القضية إلى المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب، المعروفة بأحكامها المشددة واعتمادها على اعترافات مشكوك في صحتها.

أحد أبرز أوجه القلق الحقوقي في هذا الملف، يتمثل في التقاعس اللافت للسلطات المصرية عن حماية مواطنيها أو تقديم أي دعم قانوني أو دبلوماسي حقيقي لهم. فقد اكتفى المسؤولون المعنيون بالإعراب عن “متابعة القضية”، دون أي تدخل ملموس، بينما نفت القنصلية العامة في الرياض مسؤوليتها القانونية عنهم. هذا الصمت الرسمي قوبل بانتقادات حادة من منظمات حقوق الإنسان، التي اعتبرت أن الموقف المصري يعكس نمطًا من الإهمال المتعمد تجاه الأقليات، وخصوصًا النوبة، الذين لطالما عانوا من التهميش في الداخل والخارج.

الوضع الصحي للمحتجزين يزيد من خطورة الموقف؛ إذ تجاوز بعضهم الخامسة والستين من العمر، ويعانون من أمراض مزمنة كالسكري ومضاعفات صحية خطيرة، ما يجعل استمرار احتجازهم تهديدًا مباشرًا لحياتهم، في ظل انعدام الرعاية الطبية الملائمة.

تطالب المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية بالإفراج الفوري عن النوبيين العشرة، ووقف محاكمتهم أمام محكمة لا توفر أدنى شروط المحاكمة العادلة. كما تحمل السلطات السعودية المسؤولية الكاملة عن سلامتهم الجسدية والنفسية، داعيةً إلى احترام التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان. في الوقت ذاته، لم تسلم الحكومة المصرية من انتقادات هذه المنظمات، التي اعتبرت موقفها المتقاعس امتدادًا لتاريخ طويل من إهمال قضايا النوبة داخل مصر وخارجها.

تجدر الإشارة إلى أن هؤلاء الأفراد هم مواطنون عاديون يعيشون ويعملون في السعودية منذ عقود، وانخراطهم في العمل الأهلي النوبي لا يعدو كونه نشاطًا اجتماعيًا وتراثيًا، بعيدًا كل البعد عن أي أجندات سياسية أو أيديولوجية. ومع اقتراب موعد النطق بالحكم، تزداد المخاوف من صدور أحكام قاسية قد تمتد لسنوات طويلة، ما لم يُحدث تدخل دبلوماسي عاجل يضع حدًا لهذه الأزمة الحقوقية المتفاقمة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى