برنامج جديد يسلط الضوء على المساجد التاريخية ويعيد إحياء قيمها الحضارية

في خطوة لافتة تعكس توجّهًا متجددًا نحو تعزيز الوعي الديني والثقافي، كشفت وزارة الأوقاف عن إطلاق برنامج مرئي جديد يركز على المساجد التاريخية ذات الرمزية المعمارية والدعوية.
يحمل البرنامج عنوانًا يعكس رسالته: “مساجد لها تاريخ”، ويأتي ضمن جهود موسعة لإحياء الذاكرة الجمعية حول الدور الريادي الذي أدته المساجد الكبرى في تشكيل الوعي الإسلامي والحضاري على مر العصور.
البرنامج لا يكتفي باستعراض التصاميم الفريدة والهندسة المعمارية للمساجد فحسب، بل يغوص أعمق ليكشف الجوانب الروحية والاجتماعية التي لعبتها هذه المعالم في حياة المسلمين، سواء عبر دورها في نشر الدعوة، أو احتضانها لحلقات العلم، أو حتى كونها مراكز إشعاع ثقافي ومجتمعي في مختلف المراحل التاريخية.
ويأتي هذا الإنتاج في سياق أوسع من توجهات الدولة نحو ترسيخ الهوية الدينية المعتدلة، وإبراز البعد الحضاري للإسلام، خصوصًا في ظل ما يشهده العالم من اضطرابات فكرية ومحاولات لتشويه صورة الدين. وعبر توظيف وسائط الإعلام الحديثة، تراهن الجهات المعنية على الوصول إلى شريحة أوسع من الجمهور، لا سيما الشباب، لربطهم بتاريخهم الديني والحضاري بطريقة جذابة ومعاصرة.
ويتوقع أن يتضمن البرنامج حلقات ميدانية مصورة داخل عدد من المساجد ذات الشهرة التاريخية، حيث يجري تقديم شرح توثيقي حول نشأتها، وتطورها العمراني، ودورها في السياق التاريخي الذي نشأت فيه. كما يُنتظر أن يواكب هذا العمل الفني سرد قصص شخصيات علمية وروحية ارتبطت بهذه المساجد، ما يضفي بعدًا إنسانيًا وروحيًا على المادة المعروضة، ويحولها من مجرد وثائقي بصري إلى تجربة معرفية شاملة.
وفي قراءة للأبعاد الأعمق لهذا المشروع، يرى مراقبون أن البرنامج لا يهدف فقط إلى رفع الوعي العام، بل يُعدّ جزءًا من استراتيجية ثقافية شاملة لإعادة ربط الحاضر بالماضي، والتأكيد على أن المساجد ليست فقط أماكن للعبادة، بل مؤسسات حضارية متكاملة شكّلت عبر العصور نسيج المجتمعات الإسلامية.
كما تأتي هذه المبادرة متسقة مع الجهود الرامية إلى الحفاظ على التراث المعماري والديني، في ظل ما تواجهه بعض المعالم التاريخية من إهمال أو تهديدات متزايدة، سواء نتيجة للعوامل الطبيعية أو نتيجة التوسع العمراني العشوائي في بعض المناطق.
ويأمل القائمون على البرنامج أن يسهم في تحفيز المزيد من المبادرات المماثلة، التي تستخدم أدوات الإعلام الحديث في خدمة القيم الروحية والتراثية، بما يحقق التوازن المنشود بين الأصالة والتجديد. ومن المتوقع أن يُعرض البرنامج على منصات رقمية ومحطات تلفزيونية، بما يضمن وصوله إلى جمهور عريض محليًا وعربيًا.
هكذا، لا يبدو أن “مساجد لها تاريخ” مجرد إنتاج فني عابر، بل هو رؤية متكاملة تستهدف إعادة الاعتبار لدور المساجد كركائز حضارية وروحية لا تزال تحمل الكثير من الدروس والدلالات المعاصرة.