تصعيد إسرائيلي غير مسبوق على دمشق: محاولة انقلاب على تفاهمات باكو وفرض أمر واقع في الجنوب السوري

شنّت الطائرات الحربية الإسرائيلية، اليوم الأربعاء، سلسلة غارات هي الأعنف منذ سنوات، استهدفت مبنى وزارة الدفاع السورية، ومحيط القصر الجمهوري، ومنطقة “الكسوة” جنوبي العاصمة دمشق.
وتأتي هذه الضربات بعد أيام فقط من مباحثات غير مباشرة في العاصمة الأذربيجانية باكو، بين وفد سوري وآخر إسرائيلي، أثمرت عن تفاهمات مبدئية حول التنسيق الأمني.
وفي الوقت الذي وصفت فيه “تل أبيب” القصف بأنه استهداف “أمني ضروري”، اعتبر مراقبون أن ما جرى يعد انقلاباً سياسياً وميدانياً على مسار تفاهمات باكو، ومحاولة لفرض واقع تفاوضي بالقوة في الجنوب السوري.
وقال الصحفي والأكاديمي السوري المختص بالشأن الإسرائيلي، خالد خليل، إن الغارات الإسرائيلية اليوم، على قلب دمشق “تشكل تصعيداً خطيراً، وانقلاباً مباشراً على مباحثات باكو التي جرت قبل أيام، والتي وافقت فيها دمشق على تنسيق أمني محدود، دون المساس بالثوابت الوطنية السورية”.
وأوضح خليل لـ “قدس برس” أن “تل أبيب عمدت إلى تسويق تفاهمات باكو على أنها اتفاق تطبيع شامل، بغرض تحقيق إنجاز سياسي لحكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف، وتسجيله ضمن سجلاتها كـ’نصر استراتيجي’ على إيران، خاصة بعد إعلانها تقليص النفوذ الإيراني في سوريا خلال 12 يوماً”.
وأشار إلى أن “إسرائيل تسعى عبر هذه الغارات إلى فرض اتفاق سلام بالقوة، وتلوح بورقة حماية الأقليات والمتاجرة بالدم السوري، لخلق مكاسب تفاوضية تمكّنها من فرض نفوذ مباشر على القرار السياسي السوري، في محاولة للانتقال من دور المراقب إلى دور الشريك في إدارة البلاد”.
ونوّه خليل إلى أن هذه المقاربة “تتناقض تماماً مع النهج الإسرائيلي خلال سنوات الحرب السورية؛ حيث كانت تل أبيب تبرر اعتداءاتها الجوية باستهداف التموضع الإيراني قرب حدودها الشمالية، دون التدخل في التوازنات الداخلية السورية”، مضيفاً أن “ما يجري اليوم هو استخدام فاضح للطائفة الدرزية كورقة ضغط، ومحاولة لسلخها عن وطنها الأم وتوظيفها كحاجز جغرافي وديمغرافي، بما يعزز السيطرة الإسرائيلية على الجولان المحتل”.
وأكد أن دمشق “أعلنت بشكل واضح أنها لن تتنازل عن الجولان المحتل، ولن توقّع على اتفاق تطبيع منفرد، بل تؤمن بأن أي سلام يجب أن يكون ضمن مسار عربي شامل، يستند إلى مبادرة السلام العربية التي أقرت في قمة بيروت عام 2002”.
موقف الدروز ودور الجنوب: في السياق ذاته، أكد خليل أن “إسرائيل تحاول استغلال الحالة الدرزية لتحقيق أهداف تفاوضية تتعلق برسم نفوذها في سوريا، غير أن الدروز في الجولان السوري المحتل رفضوا بأغلبيتهم الساحقة الحصول على الجنسية الإسرائيلية، ويدركون جيداً أن هذا الكيان يقوم على منظومة فصل عنصري، ولن يمنحهم حقوقهم، بل يسعى إلى استغلالهم لتفتيت سوريا”.
من جهته، قال المحلل السياسي السوري باسل المحمد إن “سماح الاحتلال الإسرائيلي لعشرات الشبان الدروز من داخل الأراضي المحتلة بالعبور إلى محافظة السويداء يدخل ضمن محاولة مزدوجة: أولاً، إظهار إسرائيل كطرف حامٍ للأقليات في الجنوب السوري، وثانياً، كسب أوراق نفوذ سياسي واجتماعي داخل المشهد السوري بعد سقوط النظام السابق”.
وأشار المحمد في حديث مع “قدس برس” إلى أن “هذا السلوك يتجاوز كونه بادرة تضامن، بل يكشف عن رغبة إسرائيل في التأثير على مجريات الأحداث في سوريا من خلال أدوات ناعمة، بعد فشل أدواتها السياسية التقليدية”، مؤكداً أن “التباين بين تل أبيب وواشنطن بات واضحاً، خاصة بعد فشل لقاءات أذربيجان، ما دفع إسرائيل إلى اتخاذ خطوات أحادية في الجنوب السوري بعيداً عن التصور الأميركي الذي يفضّل الحلول السياسية”.
ورغم الرفض الوطني الواسع، خصوصاً من داخل الطائفة الدرزية في الجولان المحتل والسويداء، لا تزال إسرائيل تمضي في محاولات فرض واقع جديد في الجنوب السوري، مدفوعة باعتقاد أن ضعف المركز يمنحها هامش مناورة واسع.
لكن استمرار العدوان، سواء بالقصف المباشر أو عبر أدوات داخلية، يبقى محفوفاً بالمخاطر، لا سيما في ظل مؤشرات على تنسيق أمني داخلي مدعوم إقليمياً لاستعادة السيطرة. أما الغ