مقالات وآراء

د.محمد عماد صابر يكتب: سفن الحرية ومسيرات الكرامة

حين تهتز عروش الصهيونية المسيحية من موجات الوعي. “ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين.”(آل عمران: 54).

منذ أن ضربت غزة بسياج الحصار الصهيوني الكامل بداية من عام 2007، والأمة تتقلب بين عجز الأنظمة وخذلان الجغرافيا.. لكن وسط هذا السواد، بزغت شموع صغيرة، غيّرت ميزان المعركة دون أن تطلق رصاصة واحدة.
إنها سفن الحرية ومسيرات كسر الحصار.. لم تحمل سلاحًا، لكنها زرعت وعيًا، ولم تخترق الحدود، لكنها اخترقت الضمير العالمي.

أولًا: سفن الحرية.. موجات لا تهدأ.


بدأت المحاولات الجريئة لكسر الحصار البحري عن غزة في النصف الثاني من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث توالت المبادرات من نشطاء دوليين، عرب وأجانب، لا تؤطرهم جهة رسمية ولا تمولهم دولة، بل تدفعهم الضمائر الحية.
من أبرز هذه السفن:
2008: سفينتا “الحرية” و”الأمل”– أول اختراق بحري سلمي لغزة منذ فرض الحصار.
2010: سفينة “مافي مرمرة”– المجزرة التي ارتكبها الاحتلال في عرض المتوسط وقتل فيها 10 نشطاء أتراك، فجرّت إدانات دولية وفضحت الكيان.

2011–2018: قوافل بحرية متعددة: “أميال من الابتسامات”، “نساء من أجل غزة”، “الحرية لغزة”، بمشاركة شخصيات برلمانية وحقوقية من 40+ دولة.
2024–2025: إعادة تنشيط المسارات البحرية، من موانئ تركيا واليونان والمغرب، بمشاركة تحالفات مدنية جديدة.
واليوم، تبحر سفينة “حنظلة”.. ليست مجرد سفينة، بل هي صرخة في وجه العجز، وراية أمل في بحر الصمت.

ثانيًا: لماذا يخشى الاحتلال هذه القوافل؟


قد يبدو السؤال غريبًا: كيف تهدد قوارب مدنية كيانًا مدججًا بالسلاح؟
لكن من يفهم منطق الصهيونية، يعلم أن أخطر ما يواجههم ليس السلاح، بل انكشاف حقيقتهم أمام العالم.
هذه السفن تكسر الرواية الصهيونية عن “إرهاب غزة”.
تُحرج الأنظمة المتواطئة التي تغلق المعابر.
تُظهر أن الشعوب أسبق من الحكومات.
والأهم: تخلق جيلًا عالميًا من الشباب الواعي، الذي سيقود التغيير القادم.

ثالثًا: حنظلة.. حين يصبح البحر جبهة مقاومة.
سفينة “حنظلة” تختصر كل هذه المعاني.
اسمها يحمل رمزَيْن خالدَيْن: حنظلة بن أبي عامر، الصحابي الذي غسلته الملائكة بعدما سقط شهيدًا في “أحد”، رمز الطهارة والتضحية.

وحنظلة الكاريكاتوري، الطفل الفلسطيني الذي لا يكبر حتى تعود فلسطين، رمز الصمود والهوية.
وهكذا فإن من يركب هذه السفينة لا يحمل فقط المعونة، بل يحمل مشروعًا حضاريًا.. يوقظ العالم، ويكسر جدار الخوف، ويزرع في كل ميناء بصمةً تقول: غزة لا تنكسر.

رابعًا: الصهيونية المسيحية ومخاوفها الكبرى.
الصهيونية المسيحية تعرف أن أيامها معدودة، وأن التاريخ ليس حليفًا للمحتل، لذلك تخشى بشدة من نقاط الانكشاف الثلاث التي تخلقها هذه السفن:

  1. انكشاف الأخلاق الزائفة للغرب: الذين يتحدثون عن حقوق الإنسان بينما يدعمون مجازر غزة.
  2. صعود موجة الشباب العالمي الواعي: من شيكاغو إلى جوهانسبرغ، من كوالالمبور إلى إسطنبول.. شباب بدأ يرى الحقيقة.
  3. عولمة القضية الفلسطينية: لم تعد حكرًا على العرب أو المسلمين، بل أصبحت ضميرًا عالميًا حرًا.
    وهذا ما يجعل الصهيونية ترتعد من “حنظلة”، كما ترتعد من “المقاومة في الأنفاق”.
    فالعدو يخشى الوعي أكثر من البندقية.

خامسًا: المستقبل يبحر نحو الحرية.


نحن نعيش بدايات مرحلة “تداول الأمم”، حيث تتراجع الحضارة الغربية المنهكة، وتبدأ أمم جديدة في النهوض.
وفي هذه المرحلة، يصبح من يوقظ الوعي هو رأس السهم في معركة الحضارات.
“وتلك الأيام نداولها بين الناس…” [آل عمران: 140]
ومهما حاولوا قمع الحقيقة، ستصل الرسالة.. فالذي حرّك البحر لـموسى، قادر أن يُجري سفينة حنظلة رغم البوارج. والذي ألقى في قلب فرعون الخوف من رضيع، قادر أن يُسقط المشروع الصهيوني من قاربٍ صغير.

ختاما

لسنا وحدنا.. بل نحن في الموعد. إلى من هم على متن “حنظلة”.. أنتم تحملون نورًا لا يُطفأ، وموقفًا لا يُشترى.
سفينتكم ليست مجرد وسيلة، بل راية في معركة كبرى.. معركة الوعي، والهوية، والحق. والله غالب على أمره، ولو اجتمعت كل أساطيل العالم لصدكم، فلن يستطيعوا أن يغرقوا من ركب سفينة الحق.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى