مصر تستخدم استثمارات أجنبية بقيمة 3 مليارات دولار لسد عجز ضخم وسط تأخر الطروحات الحكومية

كشفت بيانات حديثة أن الحكومة المصرية اضطرت إلى إعادة توجيه قرابة 3 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية التي دخلت البلاد مؤخرًا، بغرض دعم استقرار الموازنة العامة، وتحديدًا لتعويض العجز في الفائض الأولي الذي بلغ نحو 88 مليار جنيه مصري.
يأتي هذا التحرك في ظل تعثّر خطط الطروحات الحكومية التي كانت من المفترض أن توفر جزءًا كبيرًا من السيولة المطلوبة لتقليص فجوة التمويل.
الخطوة تعكس ضغوطًا مالية متزايدة تواجهها الدولة المصرية في ظل أوضاع اقتصادية محلية ودولية معقدة، حيث يمثل العجز في الفائض الأولي تحديًا إضافيًا أمام جهود تحقيق الاستدامة المالية. ويُعد الفائض الأولي أحد المؤشرات المهمة التي تعتمد عليها مؤسسات التصنيف الائتماني وصناديق الاستثمار في تقييم قدرة الدولة على سداد ديونها، باعتباره الفرق بين الإيرادات العامة والمصروفات دون احتساب فوائد الدين.
وقد دفع غياب الإيرادات المتوقعة من برنامج الطروحات الحكومية، والذي كان يُعوّل عليه بشكل كبير كمصدر تمويلي أساسي، إلى البحث عن بدائل عاجلة. وفي هذا الإطار، لعبت التدفقات الاستثمارية الأجنبية دورًا محوريًا في تجنب تفاقم عجز الموازنة، خاصة في ظل التزامات داخلية وخارجية ثقيلة تتطلب سيولة كبيرة.
ومن الجدير بالذكر أن جزءًا من هذه الاستثمارات الأجنبية التي تم توجيهها لسد العجز، كان مخصصًا في الأصل لتعزيز الاحتياطي النقدي ودعم القطاع الإنتاجي. إلا أن الضرورات المالية الآنية دفعت الحكومة إلى تغيير أولويات الإنفاق، في محاولة لاحتواء تداعيات هذا العجز غير المخطط له.
تأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه مصر ضغوطًا متصاعدة على جبهتي التضخم وسعر الصرف، فضلاً عن التزامات تمويلية ضخمة تستحق خلال العامين المقبلين. كما أن السوق المصرية لا تزال في انتظار انفراجة حقيقية في ملف الخصخصة، الذي يُعد من أهم التوصيات التي شدد عليها صندوق النقد الدولي ضمن برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي المشترك.
وفي هذا السياق، يبرز تساؤل جوهري حول قدرة الحكومة على الاستمرار في تمويل العجز بوسائل استثنائية، ومدى استدامة الاعتماد على رؤوس الأموال الأجنبية التي تتسم بطبيعة متقلبة، خاصة في ظل الأوضاع العالمية غير المستقرة، وتنافس الدول النامية على جذب التمويل الأجنبي المباشر.
ومع استمرار التأخير في تنفيذ برنامج الطروحات، فإن الخيارات أمام صناع القرار المالي تضيق، مما يجعل الاعتماد على أدوات دين جديدة أو إعادة جدولة بعض الالتزامات خيارًا مطروحًا، لكنه لا يخلو من تبعات اقتصادية وسياسية.
في المحصلة، تبرز الحاجة إلى تسريع تنفيذ الإصلاحات الهيكلية وتفعيل خطة الطروحات كأولوية قصوى، لتقليل الاعتماد على التمويلات قصيرة الأجل، وتوفير مصادر مستدامة لتعزيز الاستقرار المالي وتحفيز النمو الاقتصادي طويل الأمد.