مقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب: حين يدين صندوق النقد الدوله المصريه… في تقرير رسمي

ليس جديدًا أن تُكتب التقارير… لكن الجديد أن تُفضح الأنظمة فيها. ليس مألوفًا أن تقرأ سطور صندوق النقد الدولي، فتظن للحظة أن كاتبها قد يكون من أبناء ثوره يناير، المعارضين ، لا من أبرز ممولي يوليو!

صندوق النقد الذي لطالما وُصف بأنه الصديق القديم للحكومات المستبدة، خرج عن صمته، أو بالأحرى عن حياده الظاهري، ليقول ما لم يجرؤ أحد في الداخل على النُطق به: مصر رهينة اقتصاد تملكه الدولة وتديره القوات المسلحة… ليس هذا تلميحًا، بل تصريحًا، يتصدّر التقرير الرسمي الرابع للمراجعة المصرية، الصادر في يوليو ٢٠٢٥.

التقرير وصف هيكل الاقتصاد المصري بأنه ما يزال “يُدار من أعلى”، تتحكم فيه مؤسسات سيادية لا تخضع للمساءلة، مثل الهيئة العامة للبترول EGPC وهيئة المجتمعات العمرانية NUCA، مؤكدًا أن هذه المؤسسات “خارج الميزانية الرسمية” وتعمل دون رقابة برلمانية حقيقية أو شفافية مالية، ما يجعلها أقرب إلى “دولة داخل الدولة”.

لم يكتفِ التقرير بالتشريح الفني، بل دخل إلى قلب الجرح السياسي حين قال نصًا إن: “سيطرة الدولة على الاقتصاد تعرقل النمو وتمنع خلق فرص عمل حقيقية للقطاع الخاص”… وكأنها شهادة دولية على موت السوق، واختناق الاستثمار، وتضخّم الأجهزة على حساب المواطن العادي.

أما عن الجهاز الإداري والسياسي، فكان النقد أبلغ. التقرير أشار إلى ضعف تنفيذ السياسات الإصلاحية، رغم كل الإعلانات المتكررة، وتحدث عن “تأخّر متعمد أو تقاعس في تنفيذ بعض التوصيات السابقة”، بما في ذلك المتعلقة بتحرير أسعار السلع والدعم، وإزالة العقبات أمام المستثمرين الأجانب والمحليين.

في الجانب المالي، ورغم مدح عابر لبعض الإجراءات، لم يغفل التقرير التحذير من النمو المفرط في الدين الخارجي، والذي قد يصل إلى أكثر من ٢٠٢ مليار دولار بحلول ٢٠٣٠، وهو ما وصفه التقرير بـ”مؤشر خطر” على الاستدامة المالية… فهل يدقّ الجرس أخيرًا في أذن الحاكم؟

أخطر ما في التقرير، ليس ما كُتب، بل ما يمكن فهمه بين السطور: لقد تحوّلت مصر إلى شركة كبيرة، لكن بدون مجلس إدارة منتخب، تُسيّرها مؤسسات أمنية، وتُقيَّم من الخارج كما تُقيَّم الشركات المتعثرة… أما الداخل، فلا يسأل، ولا يُسأل.

تقرير صندوق النقد لم يكن وثيقة مالية هذه المرة، بل بيان سياسي بامتياز، صيغ بلغة رقمية، لكنه ينطق بكل لغات الرفض والقلق… وعلينا ألا نخجل من الحقيقة حين تأتينا من الغريب، بعدما صادر القريب حريتنا في التعبير.

هذا ليس تقريرًا اقتصاديًا فقط… بل “محضر اتهام” لحكومة رهنت البلاد، وفككت مؤسساتها، وسلمت قرارها المالي إلى جهات لا تظهر في الميزانية، ولا تعرف سوى طريق واحد: مزيد من السيطرة، ومزيد من الإنكار

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى