مقالات وآراء

حسن نافعة يكتب: الضمير اليهودي والهولوكوست الفلسطيني


لم يكن الصراع الذي اندلع مع الكيان الذي تأسس على جزء من الأرض الفلسطينية، صراعاً بين مسلمين أو عرب ويهود، ولكن كان صراعاً قادته شعوب المنطقة في مواجهة مشروع استعماري جسّدته الحركة الصهيونية.

“إسرائيل” دولة نشاز لا مثيل لها في العالم أجمع.
يدّعي الكيان الصهيوني أنه يمثل يهود العالم كافة، ومن ثم يعطي لنفسه حق التحدث باسمهم والدفاع عن مصالحهم، بل وحصل بالفعل على تعويضات ضخمة عن جرائم ارتكبها النظام النازي في حق اليهود الألمان.

ولإضفاء الشرعية على هذه الادعاءات، أصدر الكنيست مجموعة من القوانين، منها “قانون العودة”، الذي يتيح لكل يهودي يعيش في مكان ما في العالم حق الهجرة إلى “إسرائيل”، وحمل جنسيتها، والتمتع بحقوق المواطنة كافة، بينما لا يستطيع ملايين الفلسطينيين، وهم أصحاب الأرض الأصليون، العودة إلى منازلهم التي طردوا منها، وقانون “القومية اليهودية”، الذي يرى في “إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي”، بينما ينكر وجود الشعب الفلسطيني ولا يعترف له حتى بالحق في العيش داخل هذه “الدولة” كأقلية قومية.

لو كانت “الدولة” اليهودية قد أقيمت على أرض بلا شعب، كما تدّعي الحركة الصهيونية زوراً وبهتاناً، لكان من الممكن اعتبارها حلاً سحرياً لواحدة من أكبر المعضلات التي واجهت البشرية منذ الأزل، وأعني بذلك آفة التعصب وكراهية “الآخر المختلف”، لكن المشكلة أنها أقيمت بالقوة على أرض شعب آخر، عاش عليها منذ فجر التاريخ، وفي سياق مؤامرة دولية انتهكت فيها القوانين الدولية والشرائع الإنسانية كافة.

ويكفي أن نشير هنا إلى أن الميليشيات اليهودية المسلحة، مثل “الهاجاناه” و”الإرجون” و”شتيرن” وغيرها، لعبت دوراً رئيسياً في إنشاء هذه “الدولة”، وارتكبت مجازر بشعة أدّت إلى فرار وطرد 700000 نسمة (كانوا يشكّلون في ذلك الوقت أغلبية الشعب الفلسطيني وأصبح تعدادهم الآن أكثر من 9 ملايين نسمة)، أما من بقي من الفلسطينيين داخل حدود 1948 فقد تحوّلوا إلى مواطنين من الدرجة الثانية، يعانون العديد من مظاهر الاضطهاد والتمييز والفصل العنصري.

اليهودي، بحكم التعريف، إنسان ينتمي إلى ديانة معينة، شأنه في ذلك شأن المسيحي والمسلم والبوذي، وليس إلى قومية أو إلى عرق أو مذهب بعينه. ولأن الدول لا تقام استناداً إلى معايير دينية أو عرقية أو مذهبية، وإنما إلى معايير قومية، لا توجد دولة يحق لكل مسلمي العالم أن يعيشوا فيها أو يهاجروا إليها، وأخرى يحق لكل مسيحيي العالم أن يعيشوا فيها أو يهاجروا إليها..الخ.

صحيح أن المنتمين إلى كل دين يرتبطون في ما بينهم بروابط خاصة، روحية وثقافية وحضارية، لكن يصعب جمعهم تحت مظلة سياسية واحدة أو داخل نظام سياسي واحد، لأن الأديان هي بطبيعتها عابرة للقوميات والثقافات والحضارات. فاليهودي، شأنه في ذلك شأن المسلم أو المسيحي أو البوذي، يمكن أن يكون أوروبياً أو أميركياً أو هندياً أو صينياً أو عربياً. لذا، تبدو “إسرائيل” دولة نشاز لا مثيل لها في العالم أجمع، لأنها تعبّر عن نفسها دولة لليهود فقط، الأوروبي منهم والأميركي والصيني والهندي والعربي. وهذا وضع يحمل في ثناياه، إن تم تعميمه على العالم بذور عدم الاستقرار وربما الفناء أيضاً.

والواقع أن الكيان الصهيوني الذي تأسس عام 1948 على جزء من أرض فلسطين لا علاقة له بدين أو بمذهب أو بجماعة بشرية بعينها، وإنما استخدم الدين في هذه الحالة كغطاء لمشروع استعماري صمّم في مرحلة اتّسمت بضعف الإمبراطورية العثمانية وتفككها، وتبنّته قوى دولية تطمح في وراثة هذه الإمبراطورية بعد سقوطها، لأسباب تتعلق بالرغبة في الحيلولة دون ظهور دولة عربية أو إسلامية كبرى في هذه المنطقة من العالم، تعيد إحياء مفهوم الخلافة.

صحيح أن “الحركة الصهيونية” التي أسسها تيار يرى أن تأسيس دولة لليهود في فلسطين هو الحل الجذري لمشكلة الاضطهاد الذي عانوا منه على مر القرون، كانت هي النواة الأساسية لهذا المشروع، غير أنه ما كان لهذه الحركة أن تنمو وتزدهر لولا تبنّيها وتعهّدها بالرعاية من جانب قوى الاستعمار الغربي، سواء في شكله التقليدي الذي مثلته بريطانيا في فترة ما بين الحربين، أو في شكله الإمبريالي الذي مثلته الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. لذا، يمكن القول إن مصير الكيان الصهيوني ومستقبله سيظلان مرتبطين عضوياً بمصير الظاهرتين الاستعمارية والإمبريالية ومستقبلهما.

لم يكن الصراع الذي اندلع مع الكيان الذي تأسس على جزء من الأرض الفلسطينية عام 1948، صراعاً بين مسلمين أو عرب ويهود، ولكن كان صراعاً قادته شعوب المنطقة في مواجهة مشروع استعماري جسّدته الحركة الصهيونية، ومن ثم ظل صراعاً سياسياً وفكرياً في جوهره وليس صراعاً دينياً في أي حال من الأحوال.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى