مصرملفات وتقارير

كارثة مرورية تهدد شرق الإسكندرية: إزالة كوبري المندرة دون بدائل آمنة

في قرار وُصف بالـ”صادم” و”الكارثي”، بدأت الجهات التنفيذية في الإسكندرية إزالة كوبري المندرة الحيوي، بمنطقة المنتزه، أحد أهم الشرايين المرورية بشرق المدينة، ضمن خطة تطوير شبكة النقل الحضري، دون توفير أي بدائل مرورية واضحة أو خطة انتقالية معلنة، ما فجّر موجة غضب عارمة بين المواطنين، وأشعل أزمة خانقة على الأرض وفي مواقع التواصل.

القرار أثار استياء سكان المنطقة، خاصة في ظل اعتماد آلاف السيارات يومياً على هذا الكوبري الحيوي، وغياب أي حلول تخفف من الزحام الخانق المتوقع بعد الإزالة.

الأهالي يصرخون، والخبراء يحذرون من تداعيات مرورية واقتصادية واجتماعية قد تمتد لسنوات، في مشهد يعكس خللاً صارخاً في إدارة ملفات التطوير الحضري .. فهل نحن أمام تطوير حقيقي أم عبث مروري غير محسوب العواقب؟

غضب شعبي واسع وارتباك مروري متصاعد

أوضح محمد سعيد، موظف حكومي من منطقة العصافرة، أن إزالة الكوبري تسببت في شلل تام للحركة صباحاً ومساءً، خاصة في أوقات الذروة، قائلاً: “كنت أعبر من الكوبري يومياً للوصول إلى عملي في أقل من 15 دقيقة، أما الآن فأقضي أكثر من 45 دقيقة في الطريق؛ لم يتم توفير أي بديل واضح، لا تحويلات مرورية ولا حتى إشارات ذكية لتخفيف الزحام؛ الوضع كارثي بكل معنى الكلمة”.

أكدت منى عبدالعزيز، ربة منزل من سيدي بشر، أن القرار تم اتخاذه بدون الرجوع للمواطنين أو عرض خطة بديلة، قائلة: “فجأة لقينا الكوبري بيتفك، ولا منشورات، ولا لافتات، ولا حتى إعلان في أي وسيلة إعلام؛ إحنا مش ضد التطوير، بس إزاي يتم التطوير على حساب راحتنا وسلامتنا؟”

وأشار ممدوح عبدالخالق، سائق ميكروباص، إلى أن حركة المرور أصبحت لا تُطاق بعد إزالة الكوبري، قائلاً: “الطريق بقى زحمة فوق ما تتخيل، مش عارفين نكمل شغلنا؛ المرور مش قادر ينظم، والركاب بيتخانقوا كل يوم؛ القرار ده كان لازم يتأجل لحد ما يكون فيه بديل”.

رؤية متخصصة: قرار بلا دراسة كافية

أوضح الدكتور سامي رمزي، أستاذ النقل والمرور بإحدي كليات الهندسة، أن إزالة منشآت مرورية حيوية يجب أن تسبقها دراسات ميدانية دقيقة، مضيفاً: “الكوبري يخدم أكثر من 200 ألف سيارة يومياً، وكان يمثل شرياناً حيوياً يربط شرق الإسكندرية بباقي الأحياء.

غيابه المفاجئ بدون أي خطة بديلة سيؤدي إلى اختناقات مرورية قد تمتد لساعات؛ الحل كان في إنشاء كوبري بديل أولاً، ثم إزالة الحالي تدريجياً”.

أشار المهندس عماد عبدالسميع، استشاري النقل الحضري، إلى أن المدينة تعاني بالفعل من تدهور في البنية التحتية المرورية، قائلاً: “الإسكندرية تحتاج إلى رؤية متكاملة للتنقل وليس إلى قرارات جزئية.

المفترض أن تتضمن خطة إزالة الكوبري جدولاً زمنياً، وتحويلات ذكية، وأماكن انتظار مؤقتة، وإشارات مرورية إلكترونية؛ ما حدث هو العكس تماماً”.

أكدت الدكتورة فريدة الشرقاوي، باحثة في شؤون التنمية الحضرية، أن تطوير المدن لا يعني التضحية براحة المواطن، قائلة: “التحضر لا يعني فقط هدم القديم، بل تعني إعادة بناء ذكي يراعي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية؛ أين الخطة البديلة؟ أين المشاركة المجتمعية؟”

هل غابت الرؤية المجتمعية؟

قال أحمد إسماعيل، صاحب محل بمنطقة المندرة، إن الحركة التجارية تأثرت بشدة، موضحاً: “الناس بقت تهرب من المندرة بسبب الزحمة والخنقة، ده أثر على البيع، وكأننا داخلين على خراب؛ إزاي يتم تطوير منطقة ويؤدي ده لخسائر للسكان؟”

أوضحت سامية حمدي، طالبة جامعية، أن الوصول إلى الجامعة أصبح مرهقاً جداً، قائلة: “كنت أعتمد على الكوبري للذهاب إلى جامعتي في وقت محدد.

دلوقتي لازم أخرج قبل المحاضرة بساعتين علشان أوصل في معادها؛ ده مش تطوير، ده تعطيل لحياة الناس”.

أكد كمال عبدالجواد، أحد سكان المنتزه، أن الأمر تم بشكل مفاجئ وغير منظم، قائلاً: “مفيش شفافية، مفيش إعلام، مفيش أي مشاركة من المجتمع؛ بنشوف الكوبري بيتفك، لكن مش بنعرف بعده هنعمل إيه؛ إحنا فين من القرار؟”

المرور في ورطة: الكل يشتكي ولا حلول فورية

قال العميد حسني الخولي، ضابط سابق، إن الجهاز الأمني والمروري ليس لديه بدائل جاهزة أو آليات سريعة للتعامل مع تداعيات إزالة الكوبري، قائلاً: “أجهزة المرور بتشتغل في ظروف غير طبيعية، بدون تخطيط مسبق أو خرائط تحويلات؛ ده مش بس ضغط عليهم، ده كمان تهديد مباشر لحياة السائقين والمشاة”.

أوضحت المهندسة رحاب عبدالناصر، باحثة تطوير المحاور المرورية سابقاً، أن ما حدث يعكس غياب التنسيق بين الجهات المعنية، مؤكدة: “كل جهة بتشتغل في جزر منعزلة؛ لازم يكون فيه قيادة مركزية موحدة لإدارة مشروعات النقل الحضري، وإلا كل مشروع هيتحول لكارثة”.

وأشار مصطفى الديب، خبير البنية التحتية، إلى أن ما يحدث هو تكرار لأخطاء سابقة في القاهرة والجيزة، قائلاً: “شفنا قبل كده إزالة كباري بدون بدائل، وكانت النتيجة اختناقات رهيبة ووقائع دهس ومشكلات يومية؛ المفروض نتعلم من أخطائنا مش نكررها”.

الحل في التخطيط التشاركي والتقنيات الحديثة

أكدت الدكتورة هالة غنيم، خبيرة التخطيط العمراني، أن الحل لا يكمن في التراجع عن التطوير، ولكن في تطوير الأسلوب نفسه، قائلة: “لازم نستخدم نظم النقل الذكية، وتطبيقات تنقل فوري، واستشارات مجتمعية حقيقية؛ التطوير مش لازم يكون مصدر معاناة”.

قال رفيق عبدالعال، مهندس مقيم بالمندرة، إن أهالي المنطقة كان بإمكانهم المساعدة في رسم خطة بديلة، موضحاً: “فيه حلول محلية بسيطة الناس اقترحتها، زي فتح ممرات جانبية مؤقتة أو تنظيم توقيتات العمل؛ لكن للأسف محدش سمع”.

أشارت نجلاء طنطاوي، باحثة اقتصادية، إلى أن تعطيل حركة المرور يؤثر سلباً على الإنتاج المحلي، قائلة: “كل دقيقة تأخير للموظف والعامل بتكلف الاقتصاد خسائر؛ وغياب التنسيق المروري بيضاعف الفاتورة دي يومياً؛ لازم نربط التطوير بمردوده الاقتصادي”.

التطوير لا يجب أن يعني المعاناة

ما بين أحلام التطوير وواقع المعاناة، تقف الإسكندرية اليوم على مفترق طرق خطير، بعد إزالة كوبري المندرة دون بدائل مرورية تُذكر.

القرار الذي اتُّخذ بلا شفافية ولا تشاور مجتمعي، فجّر أزمة خانقة لا تمس فقط حركة السير، بل تعكس غياب رؤية شاملة للتنمية الحضرية.

فما يحدث في المندرة ليس مجرد إزالة كوبري، بل هو اختبار حقيقي لمدى كفاءة التخطيط الحضري في مصر، وقدرة الجهات المعنية على التوفيق بين التنمية وراحة المواطن.

فبين الحلم بمدينة ذكية، والواقع المرير للزحام والارتباك، تكمن فجوة تحتاج إلى جسر جديد، ليس من الخرسانة، بل من الوعي، والمشاركة المجتمعية، والرؤية المتكاملة.

والمواطنون غاضبون، المختصون مذهولون، والمشهد العام ينذر بكارثة مرورية طويلة الأمد ما لم تتحرك الجهات المعنية فوراً بخطط بديلة، وحلول واقعية، واعتراف صريح بالأخطاء؛ فالتطوير الحقيقي لا يبدأ بالهدم، بل يبدأ من الناس .. ولأجل الناس.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى