مقالات وآراء

شادي طلعت يكتب: الإعلام المصري … حين يصبح العبث مهنة والصدق تهمة

في زمن اختلط فيه الصدى بالضجيج، والوجه الحقيقي بالأقنعة، لم يعد الإعلام المصري لسان الشعب كما كان، بل غدا مرآة مكسورة تعكس فقط ما تأمر به السلطة، وتطمس ما يقوله العقل، أو ما يصبو إليه الوجدان.

فما أن استغنت شركة (المتحدة) عن الإعلامية لميس الحديدي، حتى تسارعت التكهنات، وتعددت الروايات، فثمة من قال إن أبواباً جديدة ستفتح لها في المملكة العربية السعودية، مستندين إلى كونها زوجة الإعلامي/ عمرو أديب، لا إلى كفاءتها، ولا إلى تأثيرها، بل فقط إلى نسب إعلامي لا يمنحها إلا الإسم، لا القيمة.

والحق يقال : فإن لميس الحديدي، لم تكن يوماً صاحبة رسالة، ولا ذات تأثير، إنما هي كسواها (منتج سلطوي)، تم تغليفه بعناية، وتسويقه بإلحاح، وبث في شاشات الشعب، ليعيد ما يملى عليه، لا ليعبر عما يشغله، أو يؤرقه.

(لميس الحديدي) وغيرها من الوجوه المتكررة، لا تحاور بل تُلقن، لا تسأل بل تجيب بما كُتب لها سلفاً، لا تصنع الحدث بل تنقله من فم السلطة إلى أذن المواطن، وكأنها أنبوب توصيل.

أما الأسماء المنتشرة على الشاشات في مصر اليوم، فهي شخوص بلا أرواح، وأصوات بلا صدى، لا ذكرهم يغني، ولا نسيانهم يفقر، فقد تساوى الجميع في الفراغ، واختلطت الوجوه كما تختلط الظلال في ضوء خافت.

لكن إن أردنا الحديث عن الإعلام الحق، يأتي الإعلامي المستبعد قسراً (توفيق عكاشة)، الذي شغل الناس بجرأته، وصراحته، وبأسلوبه الذي قد يراه البعض شعبوياً، لكنه كان حقيقياً، غير متكلف، لا يصطنع، ولا يتقمص، صنع لنفسه جمهوراً لا يباع، ولا يشترى، رفض أن يكون تابعاً، فآثر الاعتزال، بعدما أغلقت قناته (الفراعين)، لأنه لم يكن مذيعاً فقط، بل كان صاحب فكر، ورؤية، وسياسياً ارتدى عباءة الإعلام لا ليستتر بها، بل ليُعبر بما تمليه عليه الأمانة، والصالح العام.

ولنذكر من رحل جسده، وبقي أثره، كالإعلامي الراحل/ وائل الإبراشي، الذي لم يكن مذيعاً فحسب، بل حالة إعلامية متفردة، يضيف للقناة التي يظهر فيها، ولا تستطع هي أن تضيف إليه، وكان سؤاله الصريح، ونبرته العاقلة، تجعل المشاهد يطمئن أن في مصر من لا يزال ينطق بالحق دون مواربة.

ولا يمكن أن نغفل (محمود سعد)، ذلك الوجه الباسم الحاضر في وجدان الشعب، البعيد عن السجال السياسي، لكنه كان حاضراً بقوة في قلوب البسطاء، ممن رأوا فيه الصدق، والعفوية، لكن السلطة قد استبعدته أيضاً.

ثم نأتي إلى من نفي عن الوطن، لأنه رفض الركوع، وفضل الغربة على الخضوع، الإعلامي/ معتز مطر، الذي ظل وفياً لحريته، ورافضاً لأي تدخل في ضميره، فاختار أن يمارس الإعلام خارج تراب بلده، ليحفظ لنفسه كرامة الكلمة، وقدسية الرأي.

ولا يغيب عن الذاكرة اسم (هالة سرحان)، التي كانت أيقونة إعلامية لا تشبه غيرها، سطع نجمها يوم كان الإعلام فناً، وكان الحوار صراع أفكار لا تبادل مجاملات، بل كانت مدرسة خرجت أمثال : وائل الإبراشي، ومنى الشاذلي.

أما (عمرو أديب)، الذي طوته السلطة عن شاشاتها، فاحتضنته السعودية، وفتحت له المنابر، ومكنته من صناعة إعلامه الخاص، هناك حيث تتعدد الأوجه، وتتفاوت الولاءات، لكنه ظل إسماً لامعاً، يعرف كيف يخلق الحدث، وإن كان قد غلف صراحته يوماً بماء دافئ.

في النهاية :

إن ما نراه في مصر اليوم ليس إعلاماً، بل مسرحاً عبثياً، ممثلوه موظفون، لا جماهير لهم، ولا تأثير يذكر.

يقال لأحدهم (ارحل) فيرحل، دون أن تشعر الشوارع بأي فراغ، ودون أن تسأل الأرصفة عن الغائب.

إن لميس الحديدي، كغيرها ممن على الساحة، مجرد وجه تم تركيبه على جسد (السلطة)، فإن شاءت أبقته، وإن شاءت نزعت عنه القناع.

جميعهم دون استثناء مصطنعون، كما تصنع الدمى، لا يتحركون إلا بالخيوط، ولا يتكلمون إلا بأمر صانعهم.

وعلى الله قصد السبيل

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى