مقالات وآراء

علي الصاوي يكتب: إسرائيل والنصر العقيم

“لا يمكنك الانتصار حيث يكون هناك عقيدة ويحملها رجال” ربما بهذه العبارة التي قالها مجرم الحرب الراحل ونستون تشرشل تُلخص حقيقة ما يحدث في غزة من فشل صهيوني في إحراز أى نصر رغم توحشه بحق المدنيين الصامدين ونزيف الدماء الذي لم يتوقف، القيمة المعنوية في قتال المقاومة حتى الأن وصبر المدنيين هو الحبل السري الذي يُغذّي الصمود الخيالي وتحمّل الضربات والتضحية من أجل القضية الفلسطينية.

يُذكّرني هذا الصمود البطولي بجيش الحفاة في فيتنام الشمالية الذي هزم الأمريكان المسلحين بأحدث الوسائل القتالية، السر كان يكمن في أن الروح هي التي دفعت المقاتلين وقادتهم إلى الانتصار، والتي تعنى المعنويات والتصميم والوعي بعدالة النهج والإحساس بعدم وجود خيار آخر، وهذا ما تفتقده إسرائيل التي يكتنفها اليأس دوما مهما قتلت وهجّرت واستعانت بقوى خارجية.

حطّمت المقاومة في غزة حتى الآن أسطورة الدولة القوية التي لا تُقهر وحولتها إلى خرافة إعلامية على ألسنة المهزومين نفسيا والمأزومين سياسيا ممن ركعوا وسجدوا في محراب التطبيع بلا وجع ضمير يُذكر، وما زالوا يقدمون القرابين والطقوس اللازمة خشية أن تصيبهم دائرة سواء قيادات سياسية أو أفراد ناشطة في العمل الصحفي والإعلامي ممن سقط في وحل التطبيع، فجأءت المقاومة بخلط الأوراق مجددا وجعلتهم في أزمة بين الولاء لهواهم الصهيوني والحفاظ على الامتيازات، وبين حفظ ماء وجههم أمام الرأي العام العربي وتضامنه الصادق مع القضية الفلسطينية ودعم أهلها.

المتابع لسير الأحداث منذ بدأت يدرك مدى الأزمة التي تعيشها إسرائيل وعشوائية رد الفعل الهمجي الذي يُعتبر رمزا للهزيمة وليس النصر، وسمعنا البعض يتحدث عن نهاية إسرائيل وأنها باتت قريبة، وبعيدا عن العاطفة الزائدة والروح المعنوية العالية فالواقع وإن بدا مؤلماً على الصهاينة فزوال إسرائيل ما زالت مقوماته السياسية والعسكرية لم تكتمل وإن كان هذا الشعور يتجذر في وجدان الإسرائيلين أنفسهم بأن مصيرهم إلى زوال، ففي عام 1954 قال موشى ديان وزير الدفاع إبان حرب أكتوبر : “علينا أن نكون مستعدين ومسلحين، أن نكون أقوياء وقساة، حتى لا يسقط السيف من قبضتنا وتنتهي الحياة”. معبرا بذلك عن سبب بقائهم المتمثل في القوة والدعم الأمريكي والغربي غير المحدود.

يؤمن المجرم نتنياهو بأن البطش الشديد بحق الفلسطينيين هو عماد استمرار دولته اللقيطة، وتمددها حيث طموحه اللامحدود من النيل إلى الفرات، سائرا على نهج بن جوريون الذي قال يوما: لولا مجازر صبرا وشاتيلا لما قامت دولة إسرائيل، وكلنا نعرف ما الذي قامت به عصابات الصهاينة في تلك المجزرة المروعة ضد الفلسطينيين العزل.

سوّقت إسرائيل لنفسها مبررات عقائدية واهية وموضوعه بيد حخاماتها في كتبها لاحتلال فلسطين، لكن يبدو أن عقيدتها الحقيقية التي كشف عنها وهنها هى الرغبة في البقاء، والوفاء الاستعماري لأمريكا والغرب فهي الوكيل الرسمي لمشروعهم الإمبريالي القديم في صورة جديدة مُعلّمنة ومُغرّبة ومطبعة مع القيم الغربية، لذلك نرى الدعم الكبير من قبل دول عظمى لتبق إسرائيل لها اليد العليا في المنطقة، فهى المتحدث باسمهم وكلب حراسة مصالحهم، وإلا لانقلبت الدفة عليهم ولذهبت تلك الشرذمة التى دنست فلسطين إلى أوروبا وعاثوا فيها فساداً.

فلا مصلحة لبقاء اليهود في إسرائيل غير أنهم يدفعون ثمن هيمنة غربية أمريكية لا تكترث لدمائهم، وهذا ما لفت إليه الشاعر الإسرائيلي حاييم جوى حين قال: إن الإسرائيلي يُولد وفي داخله السكين الذي سيذبحه، فهذا التراب لا يرتوي أبدا، أنه يطالب بمزيد من صناديق الموت والمدافن، وكل نصر تحققه إسرائيل هو نصر عقيم لن يغير من واقع الأرض ولا التاريخ.

وقد أورد الروائي الإسرائيلي أبراهام يهوشوا في رواية بعنوان”في مواجهة الغابة” الحل في انتهاء شقاء اليهود وشقاء العرب باليهود، كان المشهد في الرواية يتناول الحالة النفسية لطالب إسرائيلي عينوه حارسا لغابة غرسها الصندوق القومي اليهودي مكان قرية عربية أبادها الصهاينة.

يقابل الحارس الشاب عربيا عجوزا من أهل القرية، يقوم هو وابنته برعاية الغابة، وتنشأ علاقة حب وكره بين العربي والإسرائيلي، فالإسرائيلي يخشى انتقام العربي الذي أصيب بالخرس بسبب جرائم الإبادة في حق قريته عام 1948.

تدور الأحداث ويجد الشاب الإسرائيلي نفسه منجذبا إلى العجوز العربي بشكل غريب، بل يكتشف أنه يحاول، بلا وعي، مساعدته في إشعال النار في الغابة، وعندما ينجح العربي في أن يضرم النار في الغابة، يتخلص الحارس الإسرائيلي من كل مشاعره المكبوتة، ويشعر براحة نفسية غريبة بعد احتراق الغابة، الرمزية هنا تشير إلى نهاية إسرائيل!

فلا حل إلا بإنهاء المأساة وعودة اللاجئين إلى فلسطين ورجوع المستوطنين إلى شواردهم الذين أتوا منها، فنداء الجذور أقوى بكثير وإن حكمت الفروع وحجبت ضوء الشمس عن الجذور، يوما ما ستأتي رياخ الخريف وتتساقط الأوراق مصفرة وتموت، حينئذ تشرق الشمس على الجذور وتتمدد في كل شبر من الأرض وتُشيّد حديقتها من جديد.

أما عن موقف قادة الدول العربية والإسلامية فقد بيّنه أبو عبيدة اليوم في خطابه أنهم خصوم كل طفل وامرأة وشيخ أمام الله غدا، بعد أن باعوا القضية وارتضت أنفسهم أن يكونوا عونا للظالم على ظلمه إما بالصمت أو بالدعم المستتر، فلا نامت أعين الجبناء.

قالوا عروبتك شرفك
قلت أين ذاك الشرف؟
لم يبق أحد من كل الأمم
إلا عبث فيه واغترف!

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى