السلطات المصرية بين حديث الانفتاح وواقع الحريات المقيد في الداخل

في وقت يشهد فيه المشهد السياسي المصري تحولات ملحوظة على مستوى الخطاب الرسمي أطل رئيس الحكومة المصرية مؤخرًا بتصريحات حملت دلالات عديدة حول وضع الحريات العامة في البلاد مؤكدًا انفتاح الدولة على النقد ورافضًا ما وصفه بتصدير صورة قاتمة عن الواقع المصري إلا أن هذه التصريحات سرعان ما وُضعت تحت المجهر مع تزايد الوقائع الميدانية التي تتعارض بشكل واضح مع مضمون الرسالة الرسمية
فمنذ بداية العام الحالي عادت إلى الواجهة سلسلة من القضايا المتعلقة بحرية التعبير والعمل السياسي حيث طالت الإجراءات العقابية عددًا من الشخصيات السياسية والأكاديمية والإعلامية المعروفة بأرائها المعارضة أو حتى النقدية تجاه السياسات القائمة مما طرح تساؤلات حقيقية حول مدى جدية الدولة في تبني خطاب الانفتاح والتعددية
الناشط هشام قاسم كان أحد أبرز الأسماء التي أثارت الجدل بعد الإفراج عنه مطلع عام 2024 عقب قضاءه حكمًا بالحبس امتد لستة أشهر نتيجة خلاف مع أحد الوزراء السابقين ومع ذلك لم تكتمل حريته إذ فوجئ بقرار منعه من السفر في أكتوبر من العام نفسه وهو ما دفعه لاحقًا لمغادرة البلاد فور رفع الحظر عنه
في ذات السياق عاد اسم المرشح الرئاسي السابق أحمد الطنطاوي إلى واجهة الأحداث بعد خروجه من السجن نهاية يونيو الماضي إثر إنهاء عقوبة استمرت عامًا كاملًا داخل أقسام الجنائيين وليس السياسيين في خطوة وصفت من قبل متابعين بأنها نوع من العقوبة الإضافية بحق شخصية حاولت الترشح لمنصب رفيع رغم مناخ سياسي ضيق
أما الضابط السابق والكاتب المعروف يحيى حسين عبد الهادي فما زال رهن الاحتجاز على خلفية مقالات رأي انتقد فيها السلطة دون أن يُنظر في حالته ضمن سياق انفراجة سياسية رغم تجاوز احتجازه السنوات وسط دعوات حقوقية مستمرة للإفراج عنه
ولم يكن الوضع أفضل بالنسبة للخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق الذي لا يزال قابعًا خلف القضبان منذ أشهر بسبب مجموعة مقالات تجاوزت الأربعين تناولت الوضع الاقتصادي وأداء رئيس الجمهورية وهي حالة تعكس بوضوح مدى تضييق المساحات أمام الأصوات التحليلية المتخصصة
الوجه الإعلامي لم يسلم أيضًا من تداعيات هذا الواقع إذ شهد العام الجاري إيقاف واحد من أبرز البرامج الحوارية بعد خمس سنوات من البث المتواصل في خطوة ربطها البعض بنبرة النقد التي اعتمدتها الإعلامية المقدمة للبرنامج تجاه بعض السياسات الاقتصادية والاجتماعية
على الجانب الآخر فُجع الوسط السياسي والأكاديمي بوفاة الدكتور يحيى القزاز الذي عانى من مضايقات أمنية متواصلة منذ 2017 وتم اعتقاله عدة مرات على خلفية منشورات ومواقف اعتبرها النظام خارج الخطوط الحمراء وقد توفي نهاية 2024 في ظروف توصف بالقاسية وسط غياب ردود رسمية توضح ملابسات حالته
ومع استمرار هذه الوقائع يزداد التساؤل حول مصداقية الوعود الحكومية المتعلقة بتوسيع الحريات وهل ما يُطرح إعلاميًا يعكس تغييرًا حقيقيًا في آليات التعامل مع المعارضة أم أن الرسائل المطمئنة ما زالت محصورة في دائرة العلاقات العامة دون ترجمة على الأرض
المشهد العام إذن يعكس تناقضًا بين التصريحات الرسمية وممارسات السلطة على الأرض وسط حالة من القلق المشروع حول مستقبل الحريات السياسية في مصر ومن سيكون الاسم التالي في قائمة المتضررين من التعبير عن الرأي