جدل تشكيل المجلس الأعلى للثقافة يفتح ملف تجديد الدماء بالمؤسسات الثقافية

في خطوة أثارت جدلا واسعا داخل الأوساط الثقافية شهد تشكيل المجلس الأعلى للثقافة موجة من الانتقادات نظرا لغلبة الأسماء المتقدمة في السن والمنتمية إلى عصور سابقة من العمل العام وهو ما دفع الكثير من المثقفين والنشطاء إلى التشكيك في جدوى التشكيل الجديد ودوره في تحقيق تنمية ثقافية حقيقية ومواكبة التحولات الاجتماعية والفكرية في البلاد
التشكيل الأخير الذي أقرته الحكومة حفل بأسماء تعتبر من رموز المشهد الثقافي الرسمي لعقود طويلة بعضها ارتبط إداريًا وسياسيًا بفترات شهدت فيها الحياة الثقافية حالة من الجمود وغياب التنوع وهو ما جعل القرار محط تساؤل حول معايير اختيار الأعضاء والدوافع التي تقف خلف إبقاء الوضع على ما هو عليه دون تجديد حقيقي أو فتح الأفق أمام كوادر شابة تمثل المستقبل
وبالرغم من تبريرات رئيس الحكومة الذي أكد أن الترشيحات جاءت من داخل المؤسسات الثقافية وأن دوره اقتصر على اعتمادها فإن ذلك لم يهدئ من حدة الانتقادات خاصة مع تكرار نمط التعيينات المعتمد على الأقدمية والخبرة دون النظر إلى التمثيل العادل لمختلف الأجيال والتخصصات الثقافية والفنية والفكرية
تصريحات الحكومة التي اعتبرت أن الأعمار المتقدمة لا تمثل عائقًا بل مصدرًا للخبرة لم تلقَ ترحيبًا في أوساط واسعة من المثقفين الذين رأوا أن المشهد الثقافي يعاني من تراكم الأسماء ذاتها في المناصب منذ عقود دون أي تغيير يذكر وهو ما ينعكس على حالة الإبداع والتجديد ويغلق الأبواب أمام جيل جديد يسعى للتعبير عن رؤيته لعصر مختلف تمامًا في التحديات والمفاهيم
ويرى محللون ثقافيون أن تشكيل المجلس الأعلى للثقافة لا ينبغي أن يكون مجرد عملية إدارية بل يجب أن يعكس التنوع المجتمعي والجيل الجديد من المبدعين الذي يشكلون الواقع الثقافي اليوم ويقودون التحولات الرقمية والفنية الراهنة مشيرين إلى أن الاعتماد المستمر على الأسماء التقليدية يخلق فجوة بين المؤسسات الرسمية والمجتمع الثقافي الفعلي ويضعف من تأثير السياسات الثقافية على الأرض
كما يعتبر آخرون أن الإصرار على الإبقاء على نخبة ثقافية مغلقة دون تداول حقيقي في المواقع يعكس أزمة أعمق تتعلق بفلسفة إدارة الثقافة في الدولة إذ ما زالت ترتكز على مفهوم السلطة الثقافية المركزية وتغفل أهمية التفاعل الحر وتعدد التيارات والتمثيل الحقيقي للفئات الشابة والنساء والمواهب المستقلة
وفي ظل الانتقادات المستمرة بات واضحا أن هناك حاجة ملحة إلى إعادة النظر في آليات تشكيل المؤسسات الثقافية الكبرى بما يضمن التوازن بين الخبرة والتجديد ويمنح فرصا حقيقية للأجيال الجديدة للمشاركة في رسم السياسات الثقافية والتعبير عن رؤاها في فضاء مفتوح وتعددي يتناسب مع واقع القرن الحادي والعشرين
فما حدث مع المجلس الأعلى للثقافة يعكس أحد أبرز التحديات التي تواجه المشهد الثقافي العربي وهي كيف يمكن الجمع بين الموروث الثقافي وبين حيوية الشباب وتجديد الخطاب الثقافي ليصبح أكثر قربا من الناس وأكثر تأثيرا في زمن التحول الرقمي والانفتاح العالمي