
زلزال السويداء… حين تنتفض الجذور دفاعًا عن الوطن
ما حدث في سوريا خلال الساعات الماضية ليس مجرد حدث عابر، بل هو زلزال سياسي وشعبي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فقد تحركت العشائر العربية بقوة مذهلة، معلنة أن زمن الصمت قد انتهى، وأن وحدة التراب السوري خط أحمر لا يُسمح بتجاوزه.
هذا التحرك لم يكن بدافعٍ سلطوي أو اصطفاف فوقي، بل كان منبعه عمق الشعب وروحه، من رحم الأرض السورية، ومن قلب الصحراء التي لم تخمد فيها نار الكرامة. وكأن التاريخ نفسه قد قرر أن يُبعث من جديد، لتستعيد سوريا توازنها بأيدي أبنائها لا بأوامر الخارج.
أولًا: الشعب السوري يملك زمام المبادرة
لم تكن الرسالة التي وجهها أبناء العشائر مجرد دعم لحكومة الرئيس أحمد الشرع، بل كانت إعلانًا صريحًا بأن الشعب السوري أصبح اليوم هو من يقرر، لا المليشيات، ولا أمراء الحرب، ولا قوى الخارج.
لقد نهضت القبائل من الجنوب، وتجمعت بأعداد لافتة وحماس هادر، لتهتف بصوت واحد: “سوريا لن تُقسّم”، مؤكدة أن الدولة ليست خريطة فحسب، بل إرادة جماعية ومصير مشترك، وأن السلاح لن يُرفع إلا في وجه من يحاول اقتطاع شبر منها.
ثانيًا: ضربة استباقية في وجه المخطط الصهيوني
ما جرى لم يكن مجرد انتفاضة داخلية، بل ضربة استباقية موجهة إلى مشروع صهيوني طويل الأمد، يسعى لتفتيت سوريا إلى دويلات طائفية وعرقية متناحرة، تمامًا كما تم التخطيط في “خارطة برنارد لويس” التي أرادت إعادة رسم الشرق الأوسط تحت مظلة الفوضى الخلاقة.
وكان واضحًا أن الجيب الدرزي الذي حاول بعض الزعماء المحليين، وعلى رأسهم حكمت الهجري، تأسيسه في السويداء، لم يكن إلا رأس جبل الجليد، تمهيدًا لسيناريو أوسع يشمل الشمال الكردي والغرب العلوي.
لكن العشائر قطعت الطريق على الجميع، وأثبتت أن سوريا ليست أرضًا سائبة، وأن كل من يحاول اقتلاعها سيُقتلع هو من المشهد.
ثالثًا: العشائر حامية الدولة لا أداة السلطة
ما يجري في سوريا يُعيد تعريف العلاقة بين الدولة ومكوناتها. فهذه العشائر التي كانت تُصوَّر أحيانًا كعائق أمام الحداثة، أظهرت اليوم أنها ركن الدولة وحارس السيادة.
لم تأتِ تحركاتها بدافع الخضوع لحكم أو حماية لمصالح، بل من شعور عميق بالمسؤولية التاريخية في منع انزلاق البلاد نحو مصير مجهول. وهي رسالة مفادها أن الحكومة الحالية – رغم التحديات – ليست وحدها، وأن الشعب حين يثق، يتحرك… وحين يتحرك، يصنع التاريخ.
رابعًا: سقوط الزعامة الطائفية وبداية عودة الدولة
لقد كان المشهد في السويداء كاشفًا لمأساة الزعامات الطائفية حين تتحول إلى أدوات بيد العدو. فحكمت الهجري، الذي افترض أنه يستطيع أن يكون زعيمًا فوق الوطن، قاد طائفته إلى مصير مجهول.
تحالف مع جهات مشبوهة، وصمت عن جرائم ميليشياته، وفتح الباب أمام مشروع تقسيمي لا مستقبل له. وكانت النتيجة انهيارًا سريعًا أمام الحشود الشعبية، وقرارًا غير مكتوب من الداخل السوري بطرده من المشهد السياسي والروحي.
خامسًا: بعد السويداء… العين على شرق الفرات
اليوم، وقد تم تطويق تمرد السويداء، يتجه نبض العشائر إلى الشرق، حيث تتمركز الميليشيات الكردية الانفصالية بدعم أمريكي مكشوف.
هذه القوى، التي حاولت رسم حدود جديدة بالدم والنار، ستجد نفسها قريبًا أمام المشهد نفسه: حشود شعبية، وغضب عربي، وقرار وطني لا يقبل القسمة. وكما فشلت محاولات العزل والتمرد في الجنوب، ستُجهض أيضًا في الشرق، وسيرحل الاحتلال الأجنبي صاغرًا، كما رحلت قبله إمبراطوريات كثيرة.
ختامًا: سوريا اليقظة… وشعبها حارس الأمة
ما نعيشه اليوم في سوريا ليس مجرد تحرك قبلي أو انتفاضة محلية، بل هو جزء من يقظة كبرى تعمّ المنطقة، حيث بدأت الشعوب تُدرك حجم المؤامرة، وتستعيد زمام المبادرة من بين أنياب الأنظمة الفاشلة والمشاريع الاستعمارية.
إن الشعب السوري، الذي عانى من القتل والتشريد والتآمر لسنوات طويلة، يُثبت اليوم أنه ما زال مستيقظًا، وأنه قادر على إفشال مخططات أعدائه مهما تنوعت أساليبهم وتعددت أدواتهم.
ولئن كان ربيع العرب قد تعثّر في محطات عديدة، فإن هذه الانتفاضات الشعبية التي نراها اليوم تحمل مذاقًا جديدًا للكرامة والسيادة، لا يتكئ على الشعارات وحدها، بل على وعيٍ متجددٍ بأهمية الأرض، وبقدسية الدولة، وبضرورة بناء المستقبل من داخل الأمة لا من خارجها.
سوريا اليوم تُعانق قدرها، لا تهرب منه. وشعبها يكتب سطورًا جديدة في تاريخٍ لم يُغلق بعد.
وما جرى في السويداء قد يكون البداية… لا النهاية.