المجاعة تفتك بسكان غزة والساعات القادمة قد تحمل حالات موت جماعية

يفتك الجوع بأكثر من ٢.٥ مليون نسمة يعيشون في بقعة جغرافية ساحلية صغيرة تُسمّى قطاع غزة، تتعرّض منذ قرابة العامين لحرب إبادة جماعية.
وبحسب مسنّين وكبار سن، فإن هذه المجاعة التي يتعرّض لها سكان قطاع غزة لم تمرّ عليهم طوال حياتهم، حتى خلال الحروب الكبرى عامي ١٩٤٨–١٩٦٧، التي أكلوا خلالها الخبز الناشف والعَنف، غير المتوفر حالياً.
وتقول السيدة هنادي إسماعيل: “صحيح أنّ المجاعة الأولى خلال هذه الحرب قبل عام تقريباً كانت صعبة جداً، لا سيما علينا في شمال قطاع غزة، لكن كان هناك قليل من الطحين، الأرز، العدس، أما الآن فلا يوجد أي شيء، وإن وُجد فلا يمكننا شراؤه لارتفاع أسعاره”.
وأضافت إسماعيل، وهي أم لستة أطفال لـ”قدس برس”: “أمس نام أطفالي جوعى وأنا أُصبّرهم، وصباح اليوم طهوت لهم قليلاً من العدس، لكنهم لم يشبعوا، على أمل أن نحصل على شيء من الطعام خلال الساعات القادمة”.
حال السيدة إسماعيل يشبه حال آلاف النساء اللاتي لا يجدن قوت أطفالهنّ، في حين يقف الرجال عاجزين عن فعل أي شيء بسبب المجاعة التي تضرب القطاع المُجوّع والمحاصر.
وبدأ نشطاء فلسطينيون صباح اليوم الجمعة حملة على التجار الذين يتحكّمون في الأسعار ويبيعون المواد الأساسية بأسعار خيالية، حيث تم تحطيم عدد من هذه الأسواق وسط تهديد واضح من الناطق العسكري باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، لهم.
وأضاف أبو عبيدة في كلمة مصوّرة له اليوم الجمعة: “إننا نقول للتاريخ، وبكل مرارة وألم، وأمام كل أبناء أمتنا: يا قادة هذه الأمة الإسلامية والعربية، ويا نُخَبها وأحزابها الكبيرة، ويا علماؤها، أنتم خصومُنا أمام الله عز وجل، أنتم خصومُ كل طفل يتيم، وكل ثكلى، وكل نازح ومشرّد ومكلوم وجريح ومجوَّع، إنّ رقابكم مثقلة بدماء عشرات الآلاف من الأبرياء الذين خُذِلوا بصمتكم”.
ومن جهتها، حذّرت وزارة الصحة في قطاع غزة، اليوم الجمعة، من كارثة صحية متفاقمة نتيجة تصاعد أزمة الجوع.
وأكّدت الوزارة في تصريح صحفي لها اليوم الجمعة أنّ المستشفيات وأقسام الطوارئ فيها تستقبل أعدادًا غير مسبوقة من المواطنين من مختلف الفئات العمرية، يعانون من حالات إجهاد شديدة ناجمة عن الجوع وسوء التغذية.
وأوضحت أن مئات من المرضى الذين “نحلت أجسامهم” باتوا معرّضين لخطر الموت المحتم، بعدما تجاوزت أجسادهم القدرة على التحمّل والصمود، في ظل نقص حاد في الغذاء وانعدام أي حلول إنسانية فاعلة.
من جهته، أكّد مدير مستشفى الشفاء بغزة، أن الطواقم الطبية تتعامل يوميًا مع مئات الحالات التي تُظهر أعراضًا حادة للمجاعة، أبرزها الهزال الشديد، فقدان الوعي، ضعف التركيز، وهبوط حاد في الوظائف الحيوية.
وأشار إلى أن من بين هذه الحالات أطفالًا ونساءً ومسنين، وأن عددًا كبيرًا من المرضى يعاني من فقدان الذاكرة المؤقت والإجهاد العام نتيجة الجوع المزمن.
وأضاف أن نحو 17 ألف طفل في القطاع يعانون من سوء تغذية حاد، في ظل نقص المواد الغذائية الأساسية وغياب المساعدات المستمرة، ما يُنذر بتدهور أكبر قد يصل إلى مرحلة الانهيار الصحي الشامل.
وفي الوقت ذاته، قال صهيب الهمص، مدير مستشفى الكويت التخصصي الميداني بمواصي خانيونس، إن المستشفى يشهد في هذه الأثناء تدفّقًا غير مسبوق للنازحين في مواصي خانيونس، “حيث تصلنا حالات تعاني من إنهاك شديد وإعياء تام، إلى جانب مظاهر هزال شديد وسوء تغذية حاد نتيجة انعدام الغذاء لفترات طويلة”.
وأضاف، “نؤكد أن جميع الحالات التي تصلنا الآن بحاجة ماسة إلى الغذاء قبل الدواء، ونحذّر من أن المئات ممن نحلت أجسادهم بالكامل باتوا مهدّدين بالموت بعد أن تجاوزت أجسادهم القدرة على الصمود”.
وطالب الهمص المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بالتحرك الفوري والعاجل لوقف شلال الدم الفلسطيني، وفتح المعابر بشكل كامل، وتوفير الإمدادات الغذائية والدوائية الأساسية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقّيها دون أي عوائق.
ومن جهتها، حذّرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مما اسمته “كارثة إنسانية وشيكة” خلال الساعات المقبلة.
وأشارت الجبهة في تصريح صحفي لها إلى أنه قد تشهد الساعات المقبلة موتاً جماعياً للفئات الأكثر عرضة للخطر، وعلى رأسهم الأطفال والمرضى وكبار السن، في ظل التدهور الخطير للأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، نتيجة تصاعد العدوان واستمرار سياسة التجويع الممنهج التي يمارسها الاحتلال في ظل شراكةٍ أمريكية، وصمت دولي، وتواطؤ مكشوف من الاتحاد الأوروبي.
وأضافت: “إن شعبنا الصامد في غزة لا يحتاج إلى خطابات جوفاء، بل إلى مواقف سياسية جريئة توقف حرب الإبادة الشاملة، وفي مقدّمتها رفع الحصار فوراً، ومحاسبة الاحتلال على جرائمه بحق الإنسانية”.
وحملّت الاتحاد الأوروبي مسؤولية سياسية وأخلاقية عن تفاقم المجاعة، باعتباره شريكاً في جريمة التجويع التي تُرتكب بحق شعبنا، من خلال تخاذله وتوفيره غطاءً دبلوماسياً للاحتلال، وندعو دول الاتحاد الأوروبي إلى وقف سياسة التمويه والتلاعب بالرأي العام، ومغادرة مربع الانحياز الفاضح للاحتلال.
وقالت الجبهة: “رغم تصاعد التحذيرات بشأن خطر المجاعة، واستخدام الغذاء كسلاح ضد أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين، إلا أن الاتحاد الأوروبي اختار التستّر على جرائم الاحتلال عبر وعود دبلوماسية كاذبة، لم تُترجم إلى أي خطوات ملموسة. وإن ما جرى مؤخراً من مساومات بين بعض دول الاتحاد الأوروبي ووزير خارجية الاحتلال يعكس بوضوح سياسة الخداع والتواطؤ التي مارسها الاتحاد”.
وطالبت المؤسسات الدولية والحقوقية بتكثيف الضغط على الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي، من أجل تحمّل مسؤولياتهم الأخلاقية والإنسانية، ومغادرة مربع التواطؤ والصمت، والتوجّه الجاد نحو الضغط الجاد على الاحتلال من أجل وقف جريمة التجويع الممنهجة بحق شعبنا.