مصر تبدأ مسارًا طويل الأمد لتصفير ديونها لدى صندوق النقد الدولي

تسير مصر على طريق طويل ومحدد لتسديد كافة التزاماتها المالية تجاه صندوق النقد الدولي وسط اعتماد كبير على برامجه التمويليّة والإصلاحية حيث أعلن الصندوق الدولي أن الدولة ستتمكن من إنهاء كامل المديونية المستحقة عليه سواء أصل القروض أو فوائدها بحلول نهاية العام المالي 2046-2047 في خطوة تمثل تحولًا نوعيًا في السياسة المالية طويلة الأجل للحكومة المصرية
ويكشف مسار السداد المعتمد أن الحكومة المصرية تلتزم بخطة منهجية ومحددة بدأت تظهر نتائجها التدريجية مع توقعات بانخفاض المبالغ المستحقة لصندوق النقد خلال العام المالي 2025-2026 لتصل إلى 3.7 مليار دولار مقارنة بـ 6.6 مليار دولار خلال العام المالي 2024-2025 وهو ما يمثل بداية لانحدار واضح في قيمة الديون المستحقة تمهيدًا لإنهائها بشكل كامل خلال العقود المقبلة
التقرير المالي الأخير الصادر عن صندوق النقد أشار إلى أن العام المالي 2024-2025 سيكون الذروة في حجم الديون حيث تمثل الالتزامات تجاه الصندوق في هذا العام حوالي 12.2% من إجمالي الإيرادات العامة للدولة وما يقرب من 1.9% من الناتج المحلي الإجمالي وهي نسبة كبيرة تعكس حجم التحديات التي واجهها الاقتصاد المصري خلال السنوات الماضية نتيجة تراكم الالتزامات الخارجية والضغوط الناتجة عن تذبذب تدفقات النقد الأجنبي
وفي إطار المتابعة التنفيذية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي أشاد الصندوق بالتزام مصر الكامل بتنفيذ بنود البرنامج وفق الجدول الزمني المحدد مسبقًا مؤكدًا أن هذا الالتزام يعزز من فرص جذب استثمارات أجنبية ويقوي الثقة الدولية في مسار الاقتصاد المصري كما يفتح المجال أمام تخفيف تدريجي لأعباء الدين الخارجي
كما لفت التقرير إلى أن حجم الالتزامات سيشهد تراجعًا لافتًا خلال العقدين القادمين حتى الوصول إلى مستوى صفر مديونية في عام 2047 حيث يُتوقع أن تبلغ قيمة التزامات مصر في ذلك العام 92 مليون دولار فقط وهو ما يعكس نجاح الخطة طويلة المدى التي تنتهجها الحكومة
من ناحية أخرى قرر صندوق النقد تأجيل المراجعة الخامسة لبرنامج الدعم المخصص لمصر ودمجها مع المراجعة السادسة لتتم مراجعة الأداء الحكومي بشكل مشترك في الخريف المقبل ويهدف هذا الدمج إلى إعطاء وقت إضافي لمصر لتنفيذ بعض الإصلاحات العميقة التي تشمل تقليص دور الحكومة في النشاط الاقتصادي وتوسيع قاعدة الخصخصة لتشمل شركات مملوكة للدولة بما في ذلك شركات تابعة للقطاع العسكري
ويرى مراقبون أن هذه التحولات الهيكلية قد تكون نقطة فاصلة في مسار الاقتصاد المصري خاصة إذا تم تنفيذ الخصخصة بشفافية وضمانات واضحة للحوكمة والمنافسة العادلة حيث أن جذب الاستثمار الخاص وتحفيز القطاع الإنتاجي سيكون له دور محوري في تحقيق الاستدامة المالية وتقليص الاعتماد على الديون الأجنبية
تأتي هذه المستجدات في وقت تعاني فيه الأسواق الناشئة من تحديات تمويلية حادة بسبب تشديد السياسات النقدية العالمية وارتفاع أسعار الفائدة ما يجعل نجاح مصر في خفض مديونيتها الدولية نموذجًا يحتذى في المنطقة إذا استمر الزخم الإصلاحي ورافقه نمو اقتصادي حقيقي ومتنوع القطاعات