حقوق وحريات

أكثر من 560 مليار دولار تُهدر سنويًا بسبب الفساد والفرصة ضاعت

انتهت المهلة الرسمية لتقديم التقارير الخاصة بالمراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة والتي حُددت في 17 يوليو 2025 دون أن تستغل العديد من الجهات الفاعلة هذه الفرصة التاريخية لتسليط الضوء على واحدة من أخطر القضايا التي تنخر في مؤسسات الدول وهي الفساد المالي والإداري الذي يلتهم أكثر من 560 مليار دولار سنويًا حول العالم وفقًا لتقديرات دولية معتمدة

ورغم النداءات المكثفة التي أطلقتها منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية لحث الدول والمجتمع المدني على توثيق الانتهاكات المرتبطة بالفساد وتقديمها ضمن ملفات المراجعة إلا أن الاستجابة لم تكن على قدر التحدي ما يثير تساؤلات واسعة حول غياب الإرادة السياسية في العديد من البلدان خصوصًا تلك التي تعاني من أزمات اقتصادية خانقة وتدهور واضح في الخدمات العامة

تشير الأرقام إلى أن مئات المليارات من الدولارات يتم الاستيلاء عليها أو تبديدها سنويًا بفعل ممارسات الفساد وضعف الرقابة وانعدام الشفافية الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على حقوق الإنسان الأساسية مثل الحق في الصحة والتعليم والسكن والمياه الآمنة والعدالة الاجتماعية فالفساد لا يسرق المال فقط بل يسرق الفرص ويحطم أحلام الشعوب في التنمية والاستقرار

وكان من المتوقع أن تشكل هذه الدورة من المراجعة فرصة مفصلية لإعادة تعريف العلاقة بين الفساد وحقوق الإنسان وتوسيع نطاق المراجعة ليشمل الحقوق الاقتصادية والإدارية إلى جانب الحقوق المدنية والسياسية لكن الإهمال أو التجاهل أو التردد في توثيق هذه الممارسات أضاع على كثير من الدول والمنظمات فرصة تسجيل موقف تاريخي أمام المجتمع الدولي

وقد أكد تقرير حديث لمنظمة الشفافية الدولية أن غياب المساءلة يسمح باستمرار شبكات الفساد في العمل ضمن منظومات رسمية ما يؤدي إلى تقويض الثقة العامة بالمؤسسات وتزايد مستويات الإحباط والسخط الشعبي وفقدان الأمل في التغيير وهذه الحالة باتت واضحة في العديد من الدول التي تُصنف ضمن الأكثر فسادًا وتدهورًا في مؤشرات التنمية البشرية

اليوم وبعد مرور ثلاثة أيام على انتهاء المهلة الرسمية لم يعد بالإمكان تقديم أي تقارير جديدة ضمن هذه الدورة وهو ما يفرض مراجعة داخلية جادة للجهات التي لم تتحرك بالشكل المطلوب سواء على مستوى الحكومات أو مؤسسات المجتمع المدني أو الهيئات الرقابية المستقلة فالتقصير هنا لا يعني فقط فقدان فرصة إدانة الفساد بل فقدان فرصة الدفاع عن الحقوق الإنسانية لضحايا هذا العبث المالي

ويبدو أن الأمم المتحدة ستعتمد في تقاريرها المقبلة على البيانات المتوفرة لديها وعلى التقارير التي تم استلامها قبل السابع عشر من يوليو ما يجعل من التقرير القادم وثيقة حاسمة في تقييم التزام الدول بمكافحة الفساد كجزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان الشاملة

المرحلة القادمة ستكشف إلى أي مدى ستنجح هذه الدورة من المراجعة في مساءلة الحكومات التي تورطت أو تغاضت عن ممارسات فساد ممنهجة وإذا ما كانت هناك آليات متابعة تضمن عدم تكرار هذا الإهمال في الدورات المقبلة بما يضمن عدالة حقيقية قائمة على الشفافية والمحاسبة والحوكمة الرشيدة

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى