اكتشاف أثري يكشف تخطيطًا حضريًا متطورًا بمدينة مصرية تعود للعصر البطلمي

في اكتشاف أثري جديد يحمل دلالات عميقة حول البنية الاجتماعية والعمرانية لمصر البطلمية تمكن فريق من علماء الآثار من جامعات مانشستر وسادات من الكشف عن مجموعة من المباني متعددة الطوابق في مدينة بوتو الأثرية بمحافظة كفر الشيخ شمال دلتا النيل ويشير هذا الاكتشاف إلى وجود شكل متقدم من التنظيم الحضري والهندسة المعمارية في تلك الحقبة التي تعود إلى ما يزيد عن ألفي عام
وقد كشفت الحفريات الحديثة التي جرت في الموقع عن منازل برجية يتراوح ارتفاعها بين طابقين وثلاثة طوابق وهو أمر نادر في العمارة السكنية خلال العصور القديمة ويشير إلى أن سكان تلك المدينة اعتمدوا أنماطًا معمارية قائمة على الاستفادة القصوى من المساحات المتاحة في بيئة حضرية مكتظة وربما تعكس هذه الظاهرة ارتفاع الكثافة السكانية أو تغيرًا في التركيبة الاجتماعية والاقتصادية خلال أواخر العصر البطلمي
وأشارت التحليلات الأولية التي أجراها الباحثون إلى أن التصميم الداخلي لتلك المباني كان يتضمن تقسيمات واضحة للغرف ومناطق مخصصة للنشاطات اليومية مما يدل على وعي تنظيمي متقدم وأسلوب حياة يتسم بالتنظيم والتخصص كما تم العثور على مجموعة من اللقى الأثرية داخل تلك المباني منها أدوات منزلية وتمائم دينية مما يعكس تداخل البعدين الديني واليومي في الحياة المصرية خلال تلك الفترة
اللافت في نتائج هذا الكشف هو أن التنظيم العمراني لم يكن عشوائيًا بل كشف عن شبكة من الشوارع الضيقة والمباني المتراصة التي تعكس شكلاً من أشكال التخطيط المديني المنهجي ويتماشى هذا النمط مع تطور العلاقات الاقتصادية والطبقية في مصر تحت الحكم البطلمي حيث ازداد الاعتماد على المدن كمراكز للتجارة والإدارة والدين
وتشير الأدلة المجمعة إلى أن مدينة بوتو التي كانت تعرف قديمًا باسم “بي دبوي” لعبت دورًا دينيًا وإداريًا مهمًا وكانت مقرًا لعبادة الآلهة المصرية التقليدية حتى بعد دخول الثقافة الهلنستية إلى مصر مما جعلها نقطة تلاقٍ بين الرموز الدينية القديمة والنفوذ السياسي الجديد الذي مثلته الدولة البطلمية
وقد أصدرت منظمة الآثار المصرية تقريرًا تفصيليًا أشارت فيه إلى أن هذا الاكتشاف يمثل أحد أهم الإنجازات في مجال علم الآثار المصري خلال العقد الأخير لما يحمله من معلومات نوعية حول حياة المصريين في أواخر العصور الكلاسيكية وطرق تخطيطهم للمدن وتعاملهم مع المساحات الحضرية
وتجري حاليًا عمليات توثيق دقيقة باستخدام تقنيات المسح الثلاثي الأبعاد والنمذجة الرقمية وذلك بهدف دراسة خصائص البناء بشكل أعمق وفهم طبيعة التوزيع العمراني في المدينة التاريخية كما يطمح الفريق البحثي إلى توسيع نطاق الحفريات للكشف عن المزيد من التفاصيل التي قد تغير من التصور الحالي حول طبيعة الحياة الحضرية في مصر البطلمية
ويُنظر إلى هذا الاكتشاف كفرصة جديدة لفهم التحولات الاجتماعية والثقافية التي مرت بها مصر في تلك المرحلة التي شهدت تداخلاً معقدًا بين الموروث المصري القديم والتأثيرات اليونانية مما يجعل من هذا الحدث محطة هامة في تاريخ البحث الأثري المصري