العالم العربي

تصاعد تهريب المخدرات عبر المسيّرات من الأراضي المحتلة نحو الأردن يثير مخاوف أمنية

برزت في الإعلام الأردني مؤخرًا تقارير متزايدة عن ضبط وإحباط محاولات متعددة لتهريب المخدرات عبر طائرات مسيّرة انطلقت من الجهة الغربية باتجاه الحدود الأردنية، ما أثار تساؤلات مهمة حول حجم هذه العمليات، والجهات القائمة عليها، وما إذا كان الأردن يواجه تحديًا أمنيًا متصاعدًا جراء هذا التطور.

في ظل التحولات الأمنية المتسارعة على الساحة الإقليمية، يبرز ملف تهريب المواد المحظورة عبر الحدود الأردنية ـ الفلسطينية كواحد من أبرز التحديات الأمنية المستجدة، وسط مؤشرات على ازدياد مستمر في حجم العمليات وتنوعها.

وتقاطعت خطوط التهريب مع مناطق عالية الحساسية الأمنية، حيث استُخدمت أساليب متقدمة تشمل الطائرات المسيّرة وشبكات دولية منظمة، ما أثار علامات استفهام جادة حول طبيعة الدور “الإسرائيلي”، ومدى تواطئه أو تغاضيه عن هذا النشاط المتزايد.

ويتفق خبراء عسكريون وسياسيون على أن هذه الظاهرة ليست معزولة عن السياقات الإقليمية المتغيرة، والاضطرابات الداخلية التي يشهدها الاحتلال الإسرائيلي، والتي تتمثل في تراجع معنوي واسع وتفكك مجتمعي متصاعد.

وهو ما يعكسه النشاط المتزايد لما يُعرف بـ”المافيا الإسرائيلية”، التي تسعى إلى توسيع نفوذها عبر بوابات التهريب، التي تنطلق من داخل الأراضي المحتلة وتتشعب لتصل إلى دول الخليج والأردن ودول أخرى.

خطوط التهريب

قال الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد إن “وتيرة عمليات التهريب باتت تشهد تصاعدًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة”، لافتًا إلى “تحول نوعي في طبيعتها؛ إذ لم تعد تعتمد على الكمية فقط، بل أصبحت تستند إلى عمليات نوعية متقنة، من بينها إدخال طائرات مسيّرة إلى معادلة التهريب”.

وأوضح أبو زيد أن “خطوط التهريب باتت واضحة جغرافيًا، حيث تنطلق من سيناء بمحاذاة الحدود المصرية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، ثم تمر عبر النقب وبئر السبع، وصولًا إلى منطقة وادي عربة على الحدود الأردنية، وهو ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول دور الجانب الإسرائيلي”.

وأشار إلى أن “الاحتلال إما أنه يغض الطرف عمدًا عن هذه العمليات، وبالتالي هو شريك ومتواطئ فيها، أو أنه يجهل وقوعها داخل مناطق ذات حساسية أمنية عالية، وهو ما يكشف هشاشة منظومته الأمنية وتضارب روايته بشأن ضبط الحدود”.

وأضاف: “هذا النمط من التهريب لم يعد معزولًا عن السياق الإقليمي، بل يتزامن بشكل لافت مع التطورات الميدانية؛ فعندما تهدأ الواجهة الشمالية، تزداد عمليات التهريب على الجبهة الجنوبية، ما يُلمّح إلى نمط ممنهج في توزيع الضغط”.

وتابع: “من غير المنطقي أن تمر طائرات مسيّرة محملة بالمخدرات كل هذه المسافة من النقب وبئر السبع إلى الحدود الأردنية، من دون أن ترصدها أجهزة الاحتلال، خاصة أن المنطقة قريبة من غزة وتخضع لرصد مكثف بالطائرات المسيّرة”.

وختم بالقول إن هذا “يفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول حجم التواطؤ الإسرائيلي مع هذه الشبكات، أو على الأقل مدى تغاضيه عنها”.

“مافيا إسرائيلية” عابرة للحدود

أوضح المحلل السياسي حازم عياد أن “(المافيا الإسرائيلية) تُعد من أكثر التنظيمات الإجرامية نشاطًا في المنطقة، حيث تمتد أنشطتها إلى عدة دول، من بينها مناطق في الخليج العربي”.

وقال إن “هذه المافيا تحظى بنفوذ واسع داخل إسرائيل، وتمارس أنشطة إجرامية معقدة، تصل أحيانًا إلى تنفيذ عمليات اغتيال باستخدام التفجيرات والسيارات المفخخة ضد خصومها”.

وأشار إلى أن “معدلات الجريمة، وخصوصًا جرائم القتل والتنكيل، تسجل ارتفاعًا ملحوظًا في المناطق الفلسطينية داخل أراضي 48، حيث تتعمد سلطات الاحتلال تهميش هذه المناطق، وتركها فريسة لعصابات الجريمة المنظمة”.

ولفت إلى أن “(المافيا الإسرائيلية) كثّفت في الآونة الأخيرة نشاطها في تهريب المواد المحظورة، مستغلة حالة الانهيار المعنوي داخل الكيان، وارتفاع نسبة تعاطي المخدرات بين الإسرائيليين، بسبب تبعات الحرب والوضع النفسي المتردي”.

وبيّن أن “تهريب المواد الممنوعة عبر الأردن، سواء إلى الداخل أو الخارج، يُعد جزءًا من منظومة عمل المافيات الإسرائيلية، التي ترتبط بشبكات واسعة في روسيا وشرق أوروبا وعدد من الدول الأوروبية، وتسعى حاليًا إلى توسيع حضورها باتجاه منطقة الخليج العربي، مع امتداد تأثيرها فعليًا إلى داخل الأراضي الأردنية”.

وأكد أن “تكثيف هذه الأنشطة انعكس في زيادة محاولات التهريب التي تمكّنت الأجهزة الأردنية مؤخرًا من إحباطها، بفضل تشديد الإجراءات الأمنية وتفكيك عدد من الشبكات الإجرامية”.

وأشار إلى أن هذه الظاهرة “تفاقمت أيضًا نتيجة تراجع أنشطة التهريب عبر الأراضي السورية بعد تدهور سيطرة النظام هناك، ما دفع المافيا الإسرائيلية إلى محاولة ملء الفراغ عبر توسيع نشاطها باتجاه الخليج لتعويض نقص الإمدادات، وهو ما يفسّر تصاعد هذه العمليات في المرحلة الحالية”.

الجيش الأردني يعلن إحباط تهريب بالمسيّرات

صرّح مصدر عسكري مسؤول في الجيش العربي أن “المنطقة العسكرية الجنوبية، وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية العسكرية وإدارة مكافحة المخدرات، تمكنت من إحباط محاولة تهريب كمية من المواد المخدرة عبر طائرة مسيّرة على الواجهة الغربية ضمن نطاق مسؤوليتها”.

وأضاف أن “قوات حرس الحدود في المنطقة طبّقت قواعد الاشتباك فور رصد الطائرة ومتابعتها، وتمكنت من إسقاطها داخل الأراضي الأردنية، حيث تم تحويل المضبوطات إلى الجهات المختصة”.

وأكد المصدر أن “القوات المسلحة تعمل بكل قوة وحزم لمنع وصول هذه المواد المخدرة إلى أبناء الوطن، وحماية الأمن الوطني بكل السبل المتاحة”.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى