حريق سنترال رمسيس يفضح ضعف البنية التحتية الرقمية واحتكار الاتصالات بمصر

أدى الحريق المفاجئ الذي اندلع في أحد الطوابق الحيوية بسنترال رمسيس إلى كشف عمق الخلل الذي يعانيه قطاع الاتصالات في مصر وخاصة على مستوى البنية التحتية الرقمية التي ظهرت هشاشتها بشكل واضح بعد أن توقفت خدمات الإنترنت والاتصالات في عدد كبير من المحافظات وتأثرت بها المؤسسات المالية والمصرفية وتوقفت جزئيا منظومة الدفع الإلكتروني بما يشمل أجهزة الصراف الآلي وخدمات المحافظ الرقمية
الحريق الذي أصاب منشأة مسؤولة عن تمرير ما يقرب من 40 بالمئة من حركة البيانات المحلية والدولية سلط الضوء على واقع خطير تعانيه البلاد يتمثل في مركزية البنية الرقمية واعتمادها الكامل على شركة واحدة تتحكم بشكل شبه مطلق في البنية التحتية للإنترنت وشبكات الاتصالات الثابتة والدولية
في قلب هذه الأزمة تقف الشركة المصرية للاتصالات التي تأسست في صورتها الأولى منتصف القرن التاسع عشر وتطورت لاحقا لتصبح الكيان الوحيد الذي يمتلك ويدير الكابلات الأرضية والبحرية الخاصة بنقل البيانات إلى جانب تحكمها الحصري في بوابات الربط الدولية ما يعني أن جميع شركات المحمول العاملة في السوق المصري تضطر لشراء خدمات الاتصالات بالجملة من الشركة ذاتها
هذا الوضع المتمركز حول جهة واحدة وصفه تقرير صادر عن مؤسسة دولية معنية بالتنمية بأنه احتكار هيكلي يشكل تهديدا مباشرا للأمن الرقمي والاقتصادي للدولة حيث إن وجود نقطة فشل واحدة في منظومة بهذا الحجم يعني قابلية انهيار المنظومة بأكملها في حال حدوث أي عطل أو كارثة فنية أو أمنية
ورغم دخول شركات أجنبية لسوق الاتصالات المصري منذ أكثر من عقدين فإن السيطرة على البنية التحتية الأساسية ظلت حكرا على الكيان الحكومي ما جعل قطاع الاتصالات معرضا بشكل مستمر لمخاطر الانقطاع وعدم القدرة على تقديم الخدمة في ظروف الطوارئ أو الكوارث الطبيعية أو الصناعية
ما يزيد الصورة قتامة هو ما كشفته تقارير رسمية رقابية راجعت أداء الشركة خلال الأعوام الثلاثة الماضية حيث أشار الجهاز المركزي للمحاسبات إلى وجود أصول غير مستغلة لدى الشركة بقيمة تتجاوز 18 مليار جنيه إلى جانب استمرار مخالفات مالية وتشغيلية تم تجاهل ملاحظاتها دون تصحيح حقيقي في أداء الشركة أو معالجة أوجه القصور المتكررة
توقف الخدمات الحيوية في أعقاب حريق سنترال رمسيس شمل البنوك وشركات التكنولوجيا المالية ومنصات الدفع الإلكتروني إلى جانب تأثر مراكز الطوارئ والخدمات الإسعافية التي وجدت نفسها عاجزة عن استقبال بلاغات المواطنين في الوقت الفعلي وهو ما فاقم التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للحادث
تطرح هذه الأزمة تساؤلات حقيقية حول مدى استعداد الدولة المصرية لمواجهة أي تهديد رقمي أو كارثة تقنية في المستقبل خاصة في ظل اعتمادها شبه الكامل على كيان واحد يفتقر إلى الكفاءة التشغيلية والمحاسبة الجادة ويتحكم في عصب الحياة الرقمية اليومية لملايين المواطنين
يتطلب الوضع الحالي مراجعة شاملة لسياسات تنظيم قطاع الاتصالات وفك الاحتكار عبر إتاحة المجال لاستثمارات جديدة في البنية التحتية الرقمية وضمان توزيع الأدوار بين الشركات بما يكفل حماية الأمن الرقمي وتعزيز قدرة الاقتصاد على مواجهة أي اضطرابات مستقبلية