حقوق وحريات

تشديد الخناق على المجتمع المدني في مصر يقوض العمل الحقوقي المستقل

في ظل مناخ سياسي متوتر وتنامٍ ملحوظ للقيود المفروضة على الحريات الأساسية، يتعرض المجتمع المدني في مصر لحملة ممنهجة من التضييق والملاحقة تقودها السلطات منذ سنوات، ما أدى إلى تقلص غير مسبوق في مساحات العمل الحقوقي والتنموي داخل البلاد.

وقد تصاعدت وتيرة هذه الحملة منذ إصدار قانون الجمعيات الأهلية رقم 70 لعام 2017 والذي فرض قيودًا صارمة على أنشطة المنظمات غير الحكومية بما يشمل مصادر تمويلها وآليات عملها والتقارير التي تقدمها للجهات الرسمية

القانون المذكور لم يكتف بفرض رقابة إدارية بل ربط نشاط المنظمات غير الحكومية بموافقات أمنية مسبقة وفرض عقوبات قد تصل إلى الحبس مدى الحياة بحق العاملين في تلك المؤسسات في حال تلقوا تمويلًا أجنبيًا دون ترخيص وهو ما أدى فعليًا إلى تجميد عمل العديد من الكيانات المستقلة التي كانت تشكل صوتًا مدنيًا ناقدًا في الساحة العامة

وبحسب تقارير موثقة من منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش فإن السلطات المصرية قامت بتجميد أصول سبع منظمات حقوقية بارزة ومنعت أكثر من ثلاثين مدافعًا عن حقوق الإنسان من السفر فضلًا عن حل آلاف الجمعيات الخيرية ومصادرة ممتلكاتها بدعوى ارتباطها بجهات محظورة مما تسبب في إغلاق مسارات كثيرة أمام العمل المجتمعي والتنموي الذي كان نشطًا حتى في ظل أنظمة سلطوية سابقة

ورغم إعلان رئيس الجمهورية في نوفمبر 2018 عن نية مراجعة القانون استجابةً للانتقادات الدولية والمحلية إلا أن التعديلات المقترحة لم تُحدث تغيرًا جوهريًا وظل جوهر القانون يقيد حرية التنظيم والعمل التطوعي مما يعكس استمرار الرؤية الأمنية الحاكمة لملف المجتمع المدني في مصر

وتأتي هذه القيود في وقت تعتمد فيه الحكومة المصرية بشكل واسع على مساعدات مالية من دول كبرى مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ودول الخليج وتحديدًا السعودية والإمارات لكن paradoxically تلك الدول لم تمارس ضغطًا جادًا تجاه تحسين أوضاع الحريات العامة أو ضمان استقلالية المجتمع المدني رغم تمويلها الكبير للحكومة المصرية

وفي السياق ذاته، تواصل السلطات استخدام قوانين مكافحة الشائعات والأخبار الزائفة كأداة لقمع الإعلام وتقييد الصحفيين حيث أشارت منظمات حقوقية إلى أن هذا التوجه يعكس إرادة سياسية واضحة لإغلاق المجال العام وإسكات أي صوت معارض تحت مبررات الأمن القومي وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا لحرية التعبير وحرية الصحافة في البلاد

من جانبها دعت منظمات دولية جميع الحكومات التي تقيم علاقات استراتيجية مع مصر إلى تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والسياسية في الضغط من أجل إلغاء قانون 2017 والامتناع عن دعم أي تشريعات أو ممارسات تقيد الحريات الأساسية وعلى رأسها حرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير باعتبارها حقوقًا مكفولة بموجب التزامات مصر الدولية بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

وبينما تواصل السلطة حملاتها على الجمعيات المستقلة والناشطين الحقوقيين يزداد القلق من أن تتحول هذه السياسات إلى واقع دائم يُقوّض أي محاولة لبناء دولة ديمقراطية أو تعزيز حكم القانون في المستقبل القريب

الملف الحقوقي في مصر يظل تحت المجهر العالمي ولا تزال المطالبات مستمرة بضرورة الإفراج عن المحبوسين في قضايا تتعلق بحرية الرأي والعمل الحقوقي ووقف كافة الملاحقات التي تهدف إلى إسكات المجتمع المدني واحتوائه ضمن قوالب رسمية لا تعكس جوهر الاستقلالية المطلوبة للعمل الأهلي

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى