جنايات أسيوط تُسدل الستار على قضية هزّت الرأي العام .. البراءة لمعلم متهم بالتحرش بـ13 طفلة

في جلسة طال انتظارها، نطقت محكمة جنايات أسيوط بكلمتها الفاصلة، وسط ترقب وقلق عمّ القاعة من الحضور وأهالي الضحايا، حيث قضت المحكمة ببراءة “محمد خيري بدوي”، المدرّس الذي شغل الرأي العام لعدة أشهر، بعد اتهامه في واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل، وهي قضية التحرش بـ13 طفلة داخل مدرسة لغات ابتدائية بمدينة الخارجة، بمحافظة الوادي الجديد.
وقد التأمت الجلسة بهيئة المحكمة الموقرة برئاسة المستشار عثمان محمدين رئيس المحكمة، وعضوية المستشارين روميل شحاته أمين الرئيس بالمحكمة ومصطفى محمد رشاد نائب رئيس المحكمة، وأمانة سر عليان جامع و أحمد سعد.
ومع بدء الجلسة، كانت أعين الجميع شاخصة نحو المنصة، وأوراق القضية الضخمة تتراكم على الطاولة، توثق شهورًا من التحقيقات، والشهادات، والتقارير الطبية والنفسية.
وفي لحظة فارقة، جاء الحكم الذي قلب الموازين: “عدم كفاية الأدلة، وبراءة المتهم مما نسب إليه”… لتعلو همسات القاعة، وتختلط مشاعر الدهشة بالارتياح أو الغضب، كلٌّ بحسب موقفه من القضية.
بداية القصة .. من بلاغات أولياء الأمور إلى ساحة القضاء
بدأت فصول هذه القصة في مايو من العام الماضي، حينما توجه عدد من أولياء أمور الطالبات بإحدى المدارس الحكومية بمدينة الخارجة إلى قسم الشرطة، حاملين في قلوبهم قلقًا وغضبًا، وفي أيديهم محضرين رسميين يتهمان مدرس اللغة العربية بالتحرش الجسدي بأطفالهم داخل المدرسة.
تحركت الأجهزة التنفيذية سريعًا، وأصدر اللواء محمد الزملوط، محافظ الوادي الجديد، توجيهًا فوريًا بإحالة الواقعة إلى النيابة العامة، مؤكدًا آنذاك أن “لا تهاون مع أي مساس بالقيم الأخلاقية والإنسانية داخل المدارس”، ومشددًا على ضرورة إجراء تحقيقات نزيهة تحفظ حقوق جميع الأطراف.
بالفعل، فتحت النيابة العامة تحقيقًا موسعًا، وقررت حبس المتهم 15 يومًا على ذمة التحقيقات، وهي الفترة التي تزامنت مع تصاعد الغضب الشعبي، وتغطية إعلامية واسعة، وتحقيقات تربوية داخل المدرسة وإدارة الخارجة التعليمية.
اتهامات ثقيلة .. لكن البراءة كانت الفصل الأخير
خلال التحقيقات، تم الاستماع إلى شهادات الطالبات القاصرات، وأولياء أمورهن، بالإضافة إلى معلمين زملاء المتهم. وتمت مواجهة “محمد خيري بدوي” بعدد من الاتهامات التي اعتبرها دفاعه “كاذبة، وملفقة، وخالية من أي دليل مادي”.
وقد أكد فريق الدفاع، في مرافعاته أمام المحكمة، أن القضية بنيت على أقوال مرسلة، دون أي دلائل قطعية، وغياب كامل للتقارير الطبية أو أدلة الإثبات التي تربط المتهم بالوقائع المنسوبة إليه بشكل مباشر.
الرأي العام بين الصدمة والتساؤلات
جاء الحكم صادمًا للبعض، ومُرضيًا لآخرين، لكنه في النهاية يبقى عنوان الحقيقة القانونية التي استندت إليها المحكمة في قرارها. وفي الوقت الذي لا تزال فيه بعض الأسر تتمسك بشكوكها، يؤكد القانون أنه لا يُدان بريء إلا ببينة واضحة، وأن العدالة لا تتحدث إلا بلغة الأدلة والقرائن.
كلمة أخيرة
في قضية كهذه، حيث تختلط براءة الأطفال بخطورة الاتهام، يبقى الميزان الدقيق بين العدالة والرحمة، وبين الحقيقة والتسرع في الإدانة، هو الحَكَم الأول والأخير.
وقد طوت المحكمة صفحة من صفحات الجدل، تاركة خلفها أسئلة مجتمعية أكبر حول آليات الحماية داخل المدارس، وسرعة التدخل عند الشكوى، وكيفية تحقيق التوازن بين حماية الضحية وضمان حق المتهم في محاكمة عادلة.