اقتصاد

شركات أدوية عالمية تقلص إنتاجها في مصر وسط أزمات تسعير وتصاعد خسائر

شهد سوق الدواء المصري مؤخرًا اضطرابات متزايدة بسبب انسحاب تدريجي لشركات دوائية أجنبية كبرى من السوق المحلي وهو ما ألقى بظلاله على توفر أدوية حيوية يعتمد عليها المرضى بشكل يومي وأثار موجات من القلق في أوساط المهنيين والمستهلكين على حد سواء

وقد كشف علي عوف رئيس شعبة الأدوية أن بعض الشركات الدولية مثل جونسون آند جونسون خفضت إنتاجها داخل السوق المصري بنسبة تجاوزت الخمسين بالمئة تمهيدًا لعملية خروج شبه كاملة من البلاد وذلك نتيجة تراكم خسائر مالية كبيرة ناجمة عن آليات تسعير جامدة تفرض تثبيتًا إجباريًا للأسعار منذ سنوات رغم تصاعد تكاليف الإنتاج والنقل والاستيراد

ومن بين العوامل الأساسية التي دفعت هذه الكيانات الكبرى لإعادة النظر في استثماراتها في قطاع الدواء المصري ارتفاع رسوم التسجيل والمراجعة التي تفرضها هيئة الدواء المصرية مما يزيد الأعباء التشغيلية ويقلل من قدرة الشركات على مواصلة تقديم منتجاتها الدوائية بنفس الجودة أو التنوع السابقين

هذا التراجع الحاد في الإنتاج تسبب بشكل مباشر في نقص أدوية أساسية خصوصًا تلك الخاصة بالأمراض المزمنة والمناعية مما أدى إلى بروز سوق سوداء نشطة لبيع الأدوية بأسعار مضاعفة مستغلة احتياجات المرضى وعجز السوق الرسمي عن تلبية الطلب بشكل كافٍ وشفاف

ويأتي هذا التراجع ضمن سياق أوسع تعاني فيه صناعة الدواء في مصر من أزمات مزمنة تتعلق بتقلبات سعر الصرف وصعوبة توفير العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد المواد الخام إلى جانب تحديات لوجستية وقيود تنظيمية معقدة تثقل كاهل المستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء

تقرير سابق أصدرته منظمة الصحة العالمية أشار إلى أن استقرار سلاسل إمداد الدواء يتطلب وجود بيئة تشريعية مرنة وتشجيع الاستثمار طويل الأجل في البنية التحتية الدوائية وهو ما يفتقر إليه السوق المصري حاليًا بحسب العديد من المتابعين والمتخصصين

في المقابل تلوح في الأفق مطالب متكررة من قبل اتحاد الصناعات الدوائية المحلي وممثلي المستثمرين بضرورة إعادة النظر في سياسات التسعير وإجراءات التسجيل وتبني استراتيجية أكثر مرونة تضمن التوازن بين حماية حقوق المرضى وضمان استمرارية الشركات العاملة في القطاع

وتجدر الإشارة إلى أن قطاع الدواء المصري يُعد من أكبر الأسواق الإقليمية من حيث عدد السكان والحجم الاستهلاكي مما يجعله بيئة جاذبة نظريًا للاستثمار لكنه يعاني من تحديات داخلية تهدد هذه الميزة التنافسية مع تنامي حضور شركات بديلة في أسواق مثل السعودية والمغرب والإمارات

ويُخشى من أن استمرار هذا الاتجاه الانسحابي من قبل الشركات العالمية سيؤدي إلى مزيد من الفجوات في سلاسل التوريد وزيادة اعتماد السوق على المنتجات البديلة أو المصنعة محليًا دون رقابة صارمة مما قد ينعكس سلبًا على جودة العلاج وكفاءة المنظومة الصحية

في ظل هذه التطورات يبدو أن صناعة الدواء في مصر تقف على مفترق طرق حاسم يستدعي تدخلًا سريعًا من الجهات المعنية لإعادة ضبط السياسات وضمان توفير دواء آمن ومتاح وفعال لكافة المواطنين

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى