أخبار العالم

ألمانيا تتجه لتعزيز قدراتها العسكرية وسط طفرة اقتصادية مرتقبة

تشهد ألمانيا تحولًا جذريًا في استراتيجيتها الدفاعية مدفوعة برؤية جديدة لتعزيز دور جيشها وجعله أقوى قوة تقليدية في أوروبا وسط استثمارات ضخمة تمثل نقلة نوعية في ميزانية الدفاع الوطني وتعد هذه الخطوة استجابة مباشرة لتغيرات جيوسياسية متسارعة وتحديات أمنية إقليمية وعلى رأسها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية

تقوم الحكومة الألمانية حالياً بتخصيص مبالغ مالية غير مسبوقة لتحديث بنيتها العسكرية إذ تم الإعلان عن تخصيص ما يقارب مئة مليار يورو موجهة بشكل مباشر لتحديث الجيش وإعادة تسليحه وهو ما يشمل تطوير المعدات العسكرية وتوسيع القدرات التكنولوجية وبناء منشآت إنتاج جديدة في قطاعات الدفاع المختلفة بالإضافة إلى هذا التوجه الدفاعي ضخت الدولة ما يقرب من أربعمئة مليار يورو لدعم البنية التحتية والتعليم والصحة والمناخ ما يعكس استراتيجية إنفاق مزدوجة تستهدف الأمن والتنمية في آن واحد

المثير للانتباه أن الحكومة الألمانية لم تضع سقفًا محددًا للاستثمارات العسكرية المستقبلية مؤكدة استعدادها لتوفير التمويل اللازم بشكل مفتوح لتأمين جاهزية الجيش القتالية وقدرته على الردع وهي خطوة وصفت بأنها غير مسبوقة في التاريخ الحديث للسياسة الألمانية

ومن الناحية الاقتصادية رجح تقرير صادر عن معهد كيل للاقتصاد العالمي أن تؤدي هذه الطفرة في الإنفاق العسكري إلى نتائج توسعية على الاقتصاد الكلي إذ تشير التقديرات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي يمكن أن ينمو بنسبة تتراوح بين 0.9 إلى 1.5 بالمئة إذا ارتفعت حصة الإنفاق الدفاعي من 2 إلى 3.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي كما أكد التقرير أن تمويل هذا التوسع يجب أن يتم عبر الاقتراض العام وليس عن طريق الضرائب لتجنب التأثير السلبي على الاستهلاك والاستثمار الخاص

وتنعكس هذه السياسات الجديدة على المشهد الصناعي المحلي حيث أصبحت ولاية بافاريا أحد أبرز مراكز الإنتاج العسكري في البلاد إذ يعمل فيها نحو 45 ألف شخص في قطاع الدفاع وتضم كبرى الشركات المصنعة للأسلحة والمعدات الثقيلة والطائرات المسيرة مثل كوانتوم سيمنز وإيربا وديل فضلاً عن شركات تكنولوجية مثل هينسولدت ورينك التي تصدر مكوناتها إلى جيوش في أنحاء الغرب

وفي الوقت ذاته تعمل الشركات الألمانية على توسيع قدراتها الإنتاجية لمواكبة الطلب المتوقع رغم التحديات المتعلقة بتكلفة الإنتاج الباهظة وفترات التسليم الطويلة مقارنة بالمنافسين الدوليين خصوصًا في الولايات المتحدة التي تقدم معدات مماثلة بأسعار أقل وبقدرات إنتاجية أعلى

ومع ارتفاع أسعار أسهم شركات الدفاع الألمانية خلال الأشهر الستة الماضية فإن التوقعات تشير إلى انتعاش قوي للقطاع في المستقبل القريب هذا الاتجاه مدعوم بعمليات توظيف جديدة وبناء مرافق صناعية متقدمة ستوفر فرص عمل جديدة وخاصة للعاملين في قطاعات تقليدية مثل صناعة السيارات التي تمر بمرحلة تحول

لكن هذا التوجه لا يخلو من التحديات إذ يشير الاقتصادي فولفغانغ مولكه إلى أن تمويل إعادة التسلح عبر الديون سيزيد من عبء الفوائد العامة ويقلل من قدرة الحكومة على الاستثمار في قطاعات استراتيجية مثل البحث العلمي والخدمات الاجتماعية كما أن نقص الكفاءات في سوق العمل يمثل عائقًا أمام التوسع في التجنيد والتصنيع العسكري

من جهتها أشارت تيريزا شيلدمان من معهد أبحاث الاقتصاد الألماني إلى أهمية إدراج البنية التحتية ذات الاستخدام العسكري ضمن حسابات الإنفاق الدفاعي إذ يسمح حلف الناتو باحتساب ما يصل إلى 1.5 بالمئة من الناتج المحلي ضمن هذا البند ما يعزز الحاجة إلى الاستثمار في شبكات السكك الحديدية والطرق

وفي ظل هذا المشهد يتوقع أن يكون خريف هذا العام نقطة تحول حاسمة حيث سيتم إقرار الموازنة العامة التي ستحدد بدقة حجم الاستثمارات الدفاعية الجديدة ومدى قدرتها على تغيير ملامح الاقتصاد الألماني والهيكل الصناعي للدولة الأوروبية الكبرى

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى