معبر إسلام قلعه يشهد تحولا استراتيجيا وسط تصاعد التنافس الإقليمي

في ظل مشهد إقليمي متشابك يتسم بالتقلبات السياسية والاقتصادية المتسارعة برز معبر إسلام قلعه-دوغارون الحدودي بين أفغانستان وإيران بوصفه نقطة محورية في التجارة الإقليمية ومعبرا استراتيجيا تتقاطع فيه مصالح جيوسياسية وتجارية معقدة تعكس التبدلات العميقة التي تمر بها المنطقة خاصة في ظل العقوبات الغربية وتداعياتها على اقتصاد الدولتين
يقع المعبر في أقصى الغرب الأفغاني ويشكل شريانا تجاريا يربط بين البلدين المتجاورين وقد تحوّل خلال السنوات الأخيرة من مجرد منفذ محلي إلى أحد الممرات الحيوية لنقل البضائع والسلع حيث تضاعف حجم التبادل التجاري ليصل عام 2024 إلى ما يزيد عن 3.1 مليارات دولار بزيادة تتراوح بين 50 و80 في المئة مقارنة بالعام السابق الذي سجل فيه الرقم 1.7 مليار دولار
ويعد هذا النمو انعكاسا لتزايد الاعتماد المتبادل بين الجانبين فإيران تصدر عبر المعبر مشتقات نفطية ومواد غذائية وأدوية في حين تعتمد أفغانستان على تصدير المنتجات الزراعية مثل الزعفران والفواكه المجففة لتأمين مصادر دخل حيوية وسط أزمة اقتصادية خانقة
اللافت أن المعبر يشهد يوميا حركة نشطة تصل إلى ألف شاحنة مدعومة بتطوير نسبي في الخدمات اللوجستية إلا أن ذلك لا يخفي اختناقات هيكلية تعيق التطور المستدام حيث تفتقر أفغانستان إلى البنية التحتية اللازمة مثل مستودعات التبريد وأنظمة الدفع الإلكترونية مما يؤدي إلى اعتماد التجار على القنوات غير الرسمية وزيادة التكاليف بنسبة تصل إلى 10 في المئة
القيود المصرفية تفرض بدورها تحديا إضافيا إذ لا تزال التحويلات البنكية الرسمية شبه مستحيلة نتيجة العقوبات المفروضة على النظام المالي الإيراني ما يدفع نحو استمرار التعامل في إطار اقتصاد مواز غير خاضع للرقابة الرسمية ويزيد من احتمالات التهريب ويقوض قدرة الحكومتين على تنظيم السوق وجباية الضرائب
من جهة أخرى تعاني الصادرات الأفغانية من أعباء بيئية معقدة حيث أدى الجفاف المزمن وتفاقم الخلاف حول مياه نهر هلمند إلى تراجع كبير في إنتاج المحاصيل الزراعية بنسبة 25 في المئة عام 2024 ما أثر سلبا على صادرات البطيخ والرمان والزعفران إلى الأسواق الإيرانية وعمّق أزمة الأمن الغذائي في البلاد
على الجانب الإنساني يرزح المعبر تحت ضغط بشري هائل بسبب موجات ترحيل متصاعدة قد تصل إلى مليون أفغاني خلال عام 2025 وفقا لتقديرات أممية ويصل عدد العابرين يوميا إلى 40 ألف شخص في فترات الذروة مما يؤدي إلى تأخير حركة التجارة ويزيد من الأعباء التشغيلية على البنى التحتية الهشة أصلا
وفي سياق التنافس الإقليمي برز الدور الإيراني بشكل متزايد في تعزيز نفوذه الاقتصادي عبر تطوير مشاريع إستراتيجية أبرزها ميناء تشابهار الذي يحظى بدعم هندي قوي ومشروع سكة الحديد خواف-هرات المتوقع أن يسهم في نقل ستة ملايين طن سنويا بحلول 2026 ما يعزز الترابط الاقتصادي ويمنح طهران أفضلية في التعامل التجاري مع كابل مقارنة بباكستان التي تعاني من اضطرابات حدودية متكررة
وبينما تسعى إيران لترسيخ دورها كممر آمن ومستقر نحو آسيا الوسطى لا تزال التحديات قائمة على مستوى البنية التحتية والحوكمة المالية ما يجعل مستقبل معبر إسلام قلعه مرهونا بمدى قدرة البلدين على تطوير آليات مشتركة لتنظيم حركة التجارة وتأمينها وضمان استدامتها
وفي ضوء هذه التحولات يظهر المعبر ليس فقط كبوابة تجارية بل كمنصة تعكس توازنات إقليمية متغيرة تحتاج إلى إدارة دقيقة لضمان استقرارها الاقتصادي والسياسي في المدى الطويل