مقالات وآراء

د.محمد عماد صابر يكتب: نهاية المعركة وبداية النهاية

حين تتكسر الأسطورة على صخرة الصمود


يعيش الكيان الصهيوني لحظاته الأشد اضطرابًا منذ تأسيسه، فآلة الحرب التي ظل يتباهى بها، والأسطورة التي خدع بها العالم لعقود، باتت تتآكل من الداخل، تنهار قطعًا قطعة، وسلاحًا سلاحًا، ومع كل يوم يمضي، يتكشف أن نتنياهو يقود الكيان نحو الهاوية، لا نحو نصر، وأن حربه على غزة لم تكن إلا انتحارًا استراتيجيًّا مدفوعًا بالغرور والعنصرية والخوف من المساءلة.

الواقع العسكري يتكلم دون رتوش


آلاف القتلى من جنود النخبة، ومئات ألاف من الجرحي والمرضي النفسين. الاف المدرعات والدبابات دُمرت أو تعطلت، الطائرات فشلت في حسم المعركة، والذخيرة شحّت حتى باتت أمريكا ترسل مخزون جيوشها وتنهب مستودعات حلفائها.
ومع كل ذلك، لم تنكسر غزة، بل ازداد بأسها، وتضاعفت ضرباتها، حتى صار جنود الاحتلال يتمنّون الموت على أن يعودوا إلى جحيم القطاع.
لم يعد نتنياهو يتحمل ضغط العسكر، ولا صرخات المستوطنين، ولا سخط عائلات القتلى، لقد استُنزف الكيان حتى النخاع، والمجتمع بدأ ينفجر من الداخل، والتمرد قادم لا محالة.

أما العالم، فهو بين متواطئ ومنافق ومتخاذل


أمريكا تشارك في الحرب وتبيع السلاح والمواقف، أوروبا تدّعي الحياد وهي ترسل الذخيرة، الحكام العرب أغلقوا المعابر وفتحوا القصور للصهاينة، أما الشعوب، فقد كُبّلت بالقهر، أو خدّرتها دعاوى الواقعية والمصالح، وقليل هم الذين نهضوا ليرفعوا الصوت والراية. ومع ذلك، فإن نصر الله لا يُمنع إذا أذن، وهو آتٍ لا محالة، بعد التمحيص والفرز، ليُميز الخبيث من الطيب، والمخلص من المتلون.

لم تعد الحرب مجرّد قتال، بل هي امتحان وجودي: من يثبت؟ من يصبر؟ من يؤمن بوعد الله؟ المعركة تكشف قلوبًا، وتهز عروشًا، وتمزق أقنعة كثيرة. وقد شاء الله أن تكون غزة هي الميدان، والشوكة التي تخز الأمة لتستيقظ، والنبض الذي يعلن أن روح الأمة لم تمت، وأن المشروع الصهيوني، مهما بدا ضخمًا، فإن جذوره من ورق.

إن هذه الحرب، التي أرادها نتنياهو مجدًا له، تحوّلت إلى قبر سياسي يبتلعه شيئًا فشيئًا، وحين تسقط الحكومة، وتتفكك الجبهة الداخلية، وتنقلب المعادلة، سنكون قد دخلنا أول فصول النهاية. النهاية التي تبدأ من غزة، وتمتد إلى ما بعدها، لتحمل بشائر زوال الاحتلال عن القدس وفلسطين، وسقوط الاستكبار العالمي، وعودة الأمة إلى ساحة التاريخ من بوابة الشهداء والمجاهدين.

نحن أمام لحظة فارقة: الكيان ينهار من الداخل، والدعم الدولي يهتز، والمقاومة تزداد رسوخًا، والوعي الشعبي يتسع، فهل تكون هذه الحرب هي الخاتمة التي تفتح صفحة النصر؟ هل يوقن العالم أن “إسرائيل” لم تعد قادرة على البقاء في وجه شعب لا يركع؟ هل تدرك الشعوب أن الطريق إلى القدس يبدأ من الموقف والصرخة والموقف الحقيقي، لا من الخنوع والتبرير؟

إنها نهاية معركة، نعم، لكنها بداية النهاية.. نهاية كيان قام على الدم والسرقة، وبداية فجر أمة تعود بهدى ربها، وسواعد أبنائها، وراية العدل التي لا تسقط أبدًا.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى