مقالات وآراء

حسين التميمي يكتب: الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): إنسان قبل أن يكون نبيًا؟

عندما نقرأ سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بتمعن وبدون التأثر بالأدلجة أو الانبهار العاطفي، نجد أن أحد الأسرار العميقة التي ساهمت في تأثيره التاريخي والحضاري هو أنه كان إنسانًا قبل أن يُبعث نبيًا برسالة السماء.

البعد الإنساني في شخصيته لم يكن مجرد مرحلة تمهيدية، بل كان العنصر الأساسي الذي قامت عليه نبوته.

إنسانيته قبل البعثة

عاش محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعين عامًا في مكة قبل أن يُبعث بنبوة السماء، ولم يكن خلالها نبيًا يوحى إليه، بل كان إنسانًا عاديًا يحمل صفات الصدق والأمانة والعطف والرحمة.

كان يحزن على فقرائه، ويشمئز من الظلم والعنصرية، ويعارض عبادة الأصنام التي كانت سائدة في مجتمعه.

هذه الصفات كانت بمثابة مقاومة صامتة ضد سلوكيات المجتمع الجاهلي، وأدت إلى خلق بيئة مُهيأة لقبول التحول القادم.

الصادق الأمين

كانت صفاته الإنسانية هي التي جعلت قريش تُلقبه بـ”الصادق الأمين”.

لم يكن ذلك لأنّه ادّعى النبوة في تلك الفترة، بل لأنه كان يعيش الحياة بصدق وصافية، وكانت هذه الصفات تظهر في تعامله مع الفقراء والمظلومين.

كان يساند الغرباء، يهتم بالأيتام، ولم يكن يسعى لمجد شخصي أو سلطة دنيوية. حتى بعد بعثته، لم تَتغير هذه الإنسانية بل أصبحت جزءًا من رسالته.

الإنسانية بعد النبوة

عندما بُعث النبي، لم تتغير إنسانيته، بل تحوّلت إلى رسالته. وصفه القرآن الكريم في قوله تعالى: “لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم” (التوبة: 128)، ما يدل على عُمق الرحمة والإنسانية التي تميز بها.

كان النبي ليس مجرد آلة وحي باردة، بل قلب نابض بالرحمة، يغضب لمشاعر الناس، ويُجسّد الرحمة تجاههم في أفعالهم.

مواقفه الإنسانية

كانت مواقفه الإنسانية واضحة، سواء في تعامله مع الأطفال، النساء، العبيد، المرضى أو مع أعدائه.

كان يمازح الأطفال، ويستمع لشكاوى النساء، ويجلس على الأرض، وكان يغضب لكرامة الإنسان مهما كانت عقيدته أو قوميته. كان يرى أن “الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله”.

نموذج إنساني لا يتغير

سيرته بعد النبوة لم تتحول إلى مسلك سلطوي أو فوقي. كان يبقى إنسانًا بسيطًا، يبيت جائعًا ليُطعم الآخرين، يغفر لمن آذاه، ويبكي على فراق أصحابه.

حتى وفاته كانت تمثل لوحة إنسانية مهيبة، حيث ترك أمة ونهجًا حياً لم يترك وراءه قصرًا أو ثروة، بل ترك قلبًا حيًا لا يزال يُلهب ضمير الأحرار في العالم.

خلاصة القول

إذن، السؤال “هل كان النبي محمد (ص) إنسانًا قبل أن يكون نبيًا؟” ليس استنقاصًا من نبوته، بل هو تأكيد لجذر نبوته العميق. رسالته كانت امتدادًا لإنسانيته وليست انفصالًا عنها.

عبقريته الخالدة تكمن في أنه لم يطلب من الناس أن يُؤمنوا به لأنه نبي فقط، بل لأنه إنسان يُستحق أن يُتّبع.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى