
“قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ، وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ، وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ” (البروج: 4–8)
في غزة اليوم يتجدد مشهد الأخدود، ولكن النار لم تشتعل في الحفر، بل أضرمت من الجو، ومن السماء، ومن سكاكين الحصار، ومن ألسنة الخذلان. فـ”أصحاب غزة” ما نقم منهم العالم الظالم إلا أنهم آمنوا بالله العزيز الحميد، وتمسكوا بأرضهم ومقدساتهم، ورفضوا أن يبيعوا دينهم أو يطأطئوا رؤوسهم لطغاة الأرض.
“أخدود غزة.. والشهود على الجريمة”
في أخدود الأمس، كان الشهود قوم الطاغية، يجلسون على حافة الأخدود يتلذذون بمنظر الأطفال والنساء يُحرقون لأنهم آمنوا بالله. أما في أخدود غزة، فالشهود اليوم هم:
العالم الكافر الظالم: أمريكا وأوروبا يقدمون السلاح والدعم والغطاء السياسي. الأنظمة العربية والإسلامية: شهودٌ بالسكوت والتواطؤ، وبعضهم بالحصار والإغلاق والمنع.
بعض الشعوب الإسلامية: شهودٌ بالركون، والخنوع، والتغافل عن المجازر والإبادة.
قال الله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ” (البروج: 10)
الثبات في وجه النار
أهل غزة اليوم هم امتداد لذاك الفتى الصغير الذي قال: “اللهم اكفنيهم بما شئت”، ثم قُتل ليُحيي الله بالإيمان قلوب أمة بأكملها. فـ”أهل غزة” ثبتوا أمام الجوع والحصار، وأمام الموت القادم من كل مكان، لأنهم آمنوا بالله، ولأنهم قالوا: “ربنا الله”.
قال تعالى: “وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” (الحج: 40)
وقال جل شأنه: “وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ ٱلْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّـٰلِحُونَ” (الأنبياء: 105)
المصير المحتوم للفئة الباغية
قال تعالى: “إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةًۭ ثُمَّ يُغْلَبُونَ” (الأنفال: 36)
وقال سبحانه: “وَقُلْ جَاءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ ۚ إِنَّ ٱلْبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا” (الإسراء: 81)
وقال: “سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ” (القمر: 45)
غزة تنتصر.. والنصر وعد الله
رغم أن الأجساد تُحرق، فإن الأرواح تضيء الطريق. غزة اليوم تُكتب في التاريخ كما كُتب أصحاب الأخدود:
“فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ” (الزخرف: 56)
أهل غزة هم السابقون، الشهداء، الثابتون، وأعداؤهم هم الهالكون، وإن بدا لهم أنهم غالبون.
قال تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍۢ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةًۭ كَثِيرَةًۢ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ” (البقرة: 249)
تحذير للساكتين والخاذلين
“وَلَا تَرْكَنُوٓا إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ” (هود: 113)
“فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥٓ…” (المائدة: 54)
من لم يُنصر غزة، ولم يُنكر المنكر، ولم يُخرج زكاة ماله لإطعام الجائع، ولم يُحرك لسانه وقلبه وجوارحه… فهو مُهدد بأن يكون مع الظالمين يوم الحساب.
وفي الختام… سيُطوى هذا الأخدود الدموي، كما طُوي قبله، ولكن سيبقى شاهداً:
على إيمان لا يُقهر.
وعلى طغيان لا يدوم.
وعلى أمة ستنهض من رماد الخذلان لتقول للعالم:
“هَٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ” (هود: 18).
وإنا لمنتصرون… وغزة هي البداية.