ترجمات

أورينت 21 : مصرفي السجن، من الأسهل إدخال المخدرات من إخراج قصيدة

الأدب كوسيلة للمقاومة داخل الزنازين

ردًّا على تعسف الحبس والسجون، يواجه معتقلو الرأي في مصر القمع بوسائل إبداعية من خلال أدب يُهرّب سرًّا من الزنازين، يشكّل في جوهره شكلًا من أشكال المقاومة الأدبية والإنسانية داخل فضاء سياسي مغلق.

«ستتعفّن في السجن حتى الموت أو الجنون».

بهذا التهديد واجهت السلطات المصرية المعارضَين السياسيَّين أحمد دوما وعلاء عبد الفتاح، المدونَين والناشطَين المعروفَين، اللذين اعتُقلا مرارًا بين عامَي 2011 و2019 في مناخ من القمع المكثف. ينضم إليهما سجين رأي آخر هو الصحفي خالد داود، حيث لم يكن السجن مجرد مساحة للعزل، بل تحوّل إلى حاضنة لإنتاج أدب سجون يعكس حجم القهر وأشكال المقاومة.

الأدب خلف القضبان

انطلقت شرارة الثورة المصرية في 25 يناير 2011، وأطاحت بالرئيس حسني مبارك، ثم أطاح الجيش بالرئيس محمد مرسي في 2013، وتولى عبد الفتاح السيسي الحكم في 2014. تبع ذلك توسع في الاعتقالات التعسفية والقمع السياسي، حيث تشير تقديرات منظمة العفو الدولية إلى وجود أكثر من 60 ألف سجين سياسي ومعتقل رأي، ما دفع النظام لبناء عشرات السجون ومراكز الاحتجاز، بالإضافة إلى سجون سرّية تديرها المؤسسة العسكرية.

مصر أصبحت فعليًا بلد السجون.

علاء عبد الفتاح… غير المهزوم

برز علاء عبد الفتاح كأحد أبرز رموز ثورة يناير. اعتُقل في عهود ثلاثة رؤساء، واحتُجز لما يزيد عن عشر سنوات. في 2021، حُكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة “نشر أخبار كاذبة”، رغم قضائه عامين في الحبس الاحتياطي، بينما حُكم على محاميه بالسجن أربع سنوات.

كان من المقرر إطلاق سراحه في سبتمبر 2024، إلا أن النيابة قررت عدم احتساب فترة الحبس الاحتياطي، ما مدّد سجنه حتى أوائل 2027. في مارس 2025، أضرب عن الطعام بعدما علم بأن والدته ليلى سويف دخلت في إضراب عن الطعام منذ سبتمبر 2024 احتجاجًا على استمرار حبسه، وكانت حالتها حرجة.

علاء ألّف مجموعة بعنوان “لم تُهزم بعد”، ترجمها مجهولون إلى الإنجليزية ونشرتها دار Fitzcarraldo عام 2021. الكتاب مكوّن من مذكرات، تأملات، تغريدات، وشذرات شعرية كُتبت على أوراق مهربة، يروي فيها نشوة ميدان التحرير، ويحلل عنف الدولة من داخل المعتقل.

خالد داود… الحبس بلا تهمة

الصحفي والناشط السياسي خالد داود اعتُقل في سبتمبر 2019، خلال احتجاجات شعبية طالبت برحيل السيسي. رغم عدم مشاركته في التظاهرات، سبّبت مقالاته إزعاجًا للسلطات، فتم اعتقاله ووضعه في الحبس الاحتياطي لمدة 19 شهرًا، ثم أُفرج عنه دون توجيه أي تهمة رسمية.

كتب داود مذكراته داخل السجن بعنوان “الحبس الاحتياطي”، إلا أن السلطات منعت نشرها. في هذه المذكرات، وصف معاناة معتقلي الرأي: الحرمان من التمارين، القيود الصحية، صعوبة الحصول على ورق أو قلم، وحتى إرسال رسائل لعائلته.

تناول الكتاب من زاوية توثيقية، فكان يدوّن ملاحظات بدقة صحفية عن تفاصيل الحياة اليومية خلف القضبان، مقدّمًا بذلك دليلًا شبه رسمي لما ينتظر أي معتقل سياسي في مصر.

بعد الإفراج عنه، نشر نحو عشرين مقالًا في موقع “المنصة”، مشيرًا إلى الفرق بين الانفراجة التي تلت ثورة 2011 والقيود الشديدة التي فرضها النظام منذ 2014، قائلاً:

«الوضع أصبح لا يُطاق».

أحمد دومة … الشعر من قلب العزلة

يُعد أحمد دومة من أبرز وجوه ثورة يناير. قضى عشر سنوات في السجن، منها سبع سنوات ونصف في الحبس الانفرادي. أُفرج عنه في أغسطس 2023 بقرار عفو رئاسي.

منذ أول ليلة له في السجن، شكّلت الكتابة طوق النجاة، كما يقول، حيث ساعدته على مقاومة العزلة النفسية القاتلة. في ديوانه الأول الصادر عام 2012 بعنوان “صوتك مسموع”، كتب قصائد ثورية تستعيد محطات نضاله قبل 2011، في سياق انخراطه في حركات مثل “كفاية” و”6 أبريل”.

استمر في الكتابة رغم الظروف القاهرة. قال دوما:

«من الأسهل إدخال المخدرات إلى السجن من إخراج قصيدة».

ورغم منعه من أدوات الكتابة مرارًا، لجأ إلى حِيَل تهريب القصائد بوسائل بدائية، مسجّلة على قصاصات ورقية مهربة.

نُشر المقال الأصلي أولًا على موقع السفير العربي، ثم نُقل إلى Orient XXI بنسخته الفرنسية بتاريخ 24 يوليو 2025.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى