شباك نورمقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب: القطار يتجه نحو الهاوية

أصدر البنك الدولي مؤخرًا تقريرًا يُنذر بكارثة وشيكة، إذ ورد في نص التقرير أن على مصر سداد 20.3 مليار دولار في الستة أشهر المتبقية من عام 2025 وحده.
من هذا المبلغ، 4.6 مليار دولار تمثل ودائع لدول الخليج، بينما يتعين على مصر سداد أكثر من 11 مليار دولار خلال الربع الحالي فقط.
أما الصدمة الأعظم، فتلوح في الأفق القريب: 23.8 مليار دولار أخرى تستحق في الربع الأول من عام 2026.
هذه ليست مجرد أرقامٍ في دفتر بنكي، بل شواهد على نزيف اقتصادي ممتد، يُنذر بانفجار قادم. فهل تسمع الحكومة هذا الصفير المتسارع لعجلات القطار، وهي تمضي مسرعة نحو حافة الهاوية، بلا فرامل، بلا خطة، وبلا وعي؟

من القرض إلى الرهن: ماذا تبقّى من السيادة؟

حين تُصبح الدولة مدينة بهذا الشكل غير المسبوق، لا تعود حرية القرار السيادي متاحة، بل تُدار البلاد عبر جداول سداد وإملاءات مانحين ومقرضين.
حتى الودائع الخليجية، التي سُوِّقت إعلاميًا كدليل دعم وشراكة، يُقال اليوم إنها ستُحوَّل إلى “أصول” – تعبير ناعم عن موجة خصخصة ستجعل من مصر حقلاً مستباحًا للمصالح الأجنبية والإقليمية، تحت لافتة الاستثمار.
والسؤال المطروح على القيادة: ما هي خطتكم ومصادركم لسداد هذه القروض؟ وأين ذهبت كل هذه المليارات؟
وهل ما نراه الآن من توسّع في الإنفاق الحكومي والمشروعات الاستعراضية هو الحل، أم هو أصل المشكلة؟

حقائق مرعبة بالأرقام: تطور الدين الخارجي المصري

لا نكتفي بالتحذير والتحليل، بل نعرض الحقائق كما هي، بالأرقام الرسمية والتواريخ:
2012 – 34.4
2013 – 43.2
2014 – 46.1
2015 – 48.1
2016 – 55.8
2017 – 82.9
2018 – 92.6
2019 – 106.2
2020 – 111.3
2021 – 145.5
2022 – 162.9
2023 – 165.3
2024 – 172.0
2025 – 180.6 (تقدير رسمي)

قفز الدين الخارجي لمصر من 34.4 مليار دولار في 2012 إلى 180.6 مليار دولار في 2025، أي زيادة تُناهز 146.2 مليار دولار، بنسبة تفوق 425% في 13 سنة فقط.
فهل هناك نظام رشيد يَعدّ هذا المسار الكارثي إنجازًا يُفتخر به؟!

الرسم البياني: المسار التصاعدي للدين الخارجي المصري (2012–2025)

الحكومة لا تُنكر هذه الالتزامات، بل تتباهى بأنها تُسدد “فوائد الديون في مواعيدها”.
لكن الحقيقة المؤلمة أن أدوات “الالتزام” هذه تُدار عبر:

  • الاقتراض الجديد لسداد القروض القديمة.
  • بيع الأصول لسداد الودائع.
  • تخفيض قيمة الجنيه لدعم الاحتياطي النقدي.
  • التضييق على الفقراء.

ومع ذلك، لم يسمع الشعب أي نقاش جاد حول الكلفة الحقيقية لهذا النهج، ولم تُطرح بدائل حقيقية، ولم يُفتح ملف الإصلاح الجذري للنظام الاقتصادي المختطف من شبكة مصالح لا ترى في الوطن سوى محطة عبور لثرواتها.

فماذا لو تعثرت مصر عن السداد؟

كل المؤشرات تُشير إلى سيناريو محتمل، خطير، وصادم: تعثُّر في السداد.
وإذا حدث – لا قدّر الله – فسيكون أول الضحايا:

  • المواطن البسيط، الذي سيُحرم من الحد الأدنى من فرص الحياة.
  • الموظف، الذي سيُدفع إلى تسوية معاشه المبكر.
  • الخدمات العامة، التي ستُجرَّد من ميزانياتها.
  • السيادة الوطنية، التي ستُرهن للمؤسسات الدولية.

فمن يجرؤ على دقّ الجرس؟
فمن حق الشعب أن يعرف. ومن حقه أن يسأل:
هل كنا على الطريق الصحيح منذ البداية؟
وهل كان البديل الوحيد هو القروض؟
وهل لم تُعرض على متخذ القرار المخاطر والاحتمالات والبدائل؟
أم أن من امتلك القرار لم يكن يُجيد إلا خيار الاقتراض؟!

القطار لا ينتظر…

نحن لا نكتب هذا المقال لتسجيل موقف، بل لنُطلق نداءً مبكرًا من قلب الأزمة.
فإن فُهم، فذلك خير، وإن أُهمل، فعلى الأقل نكون قد أبرأنا ذمتنا، وقلناها بوضوح:
القطار يتجه نحو الهاوية…
فهل هناك من يسمع؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى