مقالات وآراء

معتصم الكيلاني يكتب: الأساس القانوني لإمكانية ملاحقة بشار الأسد قضائيًا في فرنسا استنادًا إلى مبدأ الولاية القضائية خارج الإقليم

النص القانوني المحكم: سبق أن ألغت محكمة النقض الفرنسية مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحق الرئيس السوري بشار الأسد، معللة قرارها بتمتعه آنذاك بالحصانة الرئاسية المقرّرة بموجب القواعد العامة للقانون الدولي، لا سيما اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، وتحديدًا المادة 29 التي تنص على الحصانة التامة لرؤساء الدول أثناء توليهم مناصبهم الرسمية.

وقد استند القرار أيضًا إلى الاجتهاد الدولي الراسخ في قضية الكونغو ضد بلجيكا (2002) أمام محكمة العدل الدولية، التي قضت بعدم جواز ملاحقة الرؤساء الحاليين أمام المحاكم الوطنية لدول أجنبية.

إلا أن الوضع القانوني قد تغيّر مع زوال الصفة الرئاسية عن بشار الأسد، ما يؤدي إلى سقوط الحصانة الشخصية المرتبطة بالمنصب، ويتيح من الناحية القانونية إمكانية ملاحقته أمام القضاء الفرنسي، استنادًا إلى مبدأ الولاية القضائية خارج الإقليم (compétence extraterritoriale).

أولًا: مفهوم الولاية القضائية خارج الإقليم في القانون الفرنسي

ينص القانون الفرنسي على إمكانية ممارسة الولاية القضائية خارج الإقليم الفرنسي في حالات محددة، منها ما تنص عليه المادة 113-7 من القانون الجنائي الفرنسي (Code pénal)، والتي تنص على:

“يكون القانون الجنائي الفرنسي قابلًا للتطبيق على كل جريمة يعاقب عليها القانون الفرنسي إذا ارتُكبت في الخارج وكان الضحية فرنسي الجنسية وقت ارتكاب الجريمة.”

كما تنص المادة 113-8 من القانون ذاته على ضرورة تقديم شكوى من قبل الضحية أو أقاربه أو السلطات الفرنسية، أو في حال كان الفعل يُشكل جريمة جسيمة تمس بالنظام العام الدولي، ولو ارتكبت في الخارج.

وبموجب هذا الأساس، يحق للقضاء الفرنسي مباشرة التحقيقات والملاحقة في مواجهة أجنبي ارتكب أفعالًا مجرّمة في الخارج، إذا وُجدت صلة تربط الجريمة بفرنسا، مثل:
• كون أحد الضحايا فرنسي الجنسية؛
• أو وجود شكاوى مقدّمة من ضحايا مقيمين في فرنسا؛
• أو وجود عناصر مادية متعلقة بالجريمة داخل الإقليم الفرنسي؛
• أو التزامات دولية تعاقدية تُلزم فرنسا بملاحقة مرتكبي أنواع محددة من الجرائم، كـ اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984.

ثانيًا: تطبيق الولاية خارج الإقليم في حالة بشار الأسد

في هذه القضية، لا يُرتكز الطلب على مبدأ الولاية العالمية، وإنما على الاختصاص القضائي الفرنسي خارج الإقليم، بناءً على الصلات القانونية بين الجرائم المرتكبة في سوريا وبين فرنسا، ومنها:
• أن عددًا من الضحايا أو أقاربهم مقيمون حاليًا على الأراضي الفرنسية؛
• أن الشكوى ترتكز على جرائم التعذيب والاختفاء القسري، وهما أفعال مجرّمة وفق القانون الفرنسي وتدخل ضمن الجرائم المشمولة بالملاحقة القضائية خارج الإقليم؛
• أن اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها فرنسا تلزمها، بموجب المادة 5 الفقرة 2، باتخاذ الإجراءات القضائية ضد مرتكبي التعذيب إذا تواجدوا على أراضيها، حتى وإن ارتُكبت الأفعال في الخارج؛
• أن بشار الأسد لم يعد رئيسًا وبالتالي لا يتمتع بأي حصانة وظيفية أو شخصية أمام القضاء الفرنسي.

وقد أكدت محكمة الاستئناف في باريس في عدة قرارات سابقة (مثل قضية “Khaled Nezzar”، الجزائر – 2017) أن القضاء الفرنسي مختص بموجب الاختصاص خارج الإقليم لملاحقة مسؤولين أجانب ارتكبوا أفعال تعذيب وجرائم جسيمة ضد أشخاص لهم صلات بفرنسا.

خلاصة قانونية:

بما أن:

  1. بشار الأسد لم يعد يتمتع بحصانة رئاسية؛
  2. الأفعال المنسوبة إليه تشكل جرائم تعذيب واختفاء قسري مجرّمة بموجب القانون الفرنسي والدولي؛
  3. الضحايا أو ذووهم مقيمون في فرنسا، أو قد تكون هناك روابط مادية أو أدبية مع الإقليم الفرنسي؛
  4. القضاء الفرنسي يملك اختصاصًا خارج الإقليم بموجب المواد 113-7 و113-8 من القانون الجنائي؛
  5. وتماشيًا مع الالتزامات الدولية لفرنسا بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب؛

فإنه من الجائز قانونًا مطالبة النيابة أمام القضاء الفرنسي ضد بشار الأسد، والمطالبة بإصدار مذكرة توقيف دولية بحقه، استنادًا حصريًا إلى مبدأ الولاية القضائية خارج الإقليم، دون الحاجة إلى تفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى