شباك نورمقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب : قراءة في تعيين اللواء عاطف عبدالعزيز محمد خالد خلفًا لعادل جعفر

أحيانًا، لا تأتي الرسائل المهمة في بيانات رسمية، بل تُكتب بلغة التغييرات، ويُعبَّر عنها بإزاحة شخص واستقدام آخر.
وهذا تمامًا ما يمكن فهمه من قرار تعيين اللواء عاطف عبدالعزيز محمد خالد مساعدًا لوزير الداخلية لشؤون الأمن الوطني، في أعقاب واقعة المعصرة، التي هزّت أروقة الجهاز الأمني بصمتٍ أكثر من ضجيجها الخارجي.

الواقعة – كما بات معروفًا – لم تكن مجرّد شائعة، بل حدثًا خطيرًا، تمثل في اقتحام شبّان لمكتب الأمن الوطني داخل قسم شرطة المعصرة، واحتلالهم له لساعات،
في تطوّر غير مسبوق يكشف عن حجم الغضب المجتمعي، وتراجع هيبة أجهزة يُفترض أن تمثّل الذراع الأقوى للدولة.

ورغم نفي وزارة الداخلية للواقعة، فإن الزمن السياسي لا يُكذّب نفسه، بل يُصحّح ذاته بتوقيع القرارات.
فإقالة اللواء عادل جعفر بعد الواقعة مباشرة، لا يمكن فهمها إلا كـ اعتراف غير معلن بأن ما جرى خطير، وبأن ما نُفي… كان واقعة حقيقية.

اختيار عاطف عبدالعزيز محمد خالد، الذي يوصف داخل الجهاز بـ”رجل المهام الصعبة”، ليس اختيارًا عشوائيًا أو بروتوكوليًا، بل محاولة ترميم سياسي وأمني داخل الجهاز وخارجه.
فاللواء الجديد له سجل طويل في ملف تعقب وتفكيك تنظيمات سرية داخل محافظات الوجه البحري.
لكن الأهم من إنجازاته الميدانية، هو أنه لا ينتمي إلى مدرسة “الاستعلاء الأمني” أو العمل بعيدًا عن الواقع السياسي.

تعيينه في هذا التوقيت بالذات، بعد واقعة المعصرة، يُقرأ كرسالة مزدوجة:


1️⃣ إلى داخل الجهاز الأمني: بضرورة إعادة الانضباط، واستعادة الهيبة المنضبطة، لا المفرطة، التي تدفع لسلوك اليائسين.
2️⃣ وأيضًا إلى الخارج السياسي والمجتمعي: بأن النظام يستشعر الخطر، ويريد إعادة الإمساك بالمفاصل، دون أن يعترف بأن هناك هشاشة تضرب الجدار من الداخل، في ظل الظروف الإقليمية الحالية والأوجاع الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة.

المشهد الذي خرج من المعصرة – حتى وإن حاول البعض إنكاره أو التقليل منه – كان صفعة على وجه رواية “السيطرة الكاملة”.
أن يتمكن شبانٌ غاضبون من اقتحام أحد أكثر المكاتب الأمنية حساسية، لهو مؤشر على حجم السخط الشعبي، بسبب الأوضاع الإنسانية في غزة،
واتساع الفجوة بين الدولة وقواعدها الاجتماعية، التي لم تصدق أن المعبر مفتوح من الجانب المصري،
فضلًا عن فشل رواية “الضبط الأمني” في استيعاب الغضب أو حتى توقّعه.

وفي ضوء هذه الواقعة، لا يمكن اعتبار تعيين اللواء عاطف خالد مجرد إعادة هيكلة دورية،
بل محاولة إعادة إنتاج المعادلة الأمنية، عبر رجل يُراهن عليه في ضبط الإيقاع دون عنف،
واستعادة الثقة دون إنكار، وتحقيق الردع دون استفزاز. وعناد وتصعيد.السؤال الأهم: هل التغيير كافٍ؟
والإجابة الأرجح: لا.
لأن الأزمة ليست في الأشخاص، بل في المنظومة. وإن لم يُفتح باب حقيقي لمراجعة العلاقة بين الجهاز والمجتمع،
فسيأتي يومٌ لا تنفع فيه الإقالات ولا التعيينات، بل تكون الدولة كلها في موقع المعصرة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى