
الحملات الانتخابية هي مجموع الأنشطة السياسية التى تسبق عملية الانتخاب والتى يقوم خلالها المرشحون فرادى أو أحزاب بعقد مؤتمراتهم الانتخابية وتنظيم خطبهم الدعائية، واستخدام المواكب والصحف والتليفزيون والإذاعة والإعلانات والوسائط الإلكترونية، لعرض أفكارهم ووعودهم، وإطلاع الناخبين على برامجهم بهدف الحصول على أصواتهم يوم الاقتراع، ولربما الحث المباشر على عدم التصويت لمنافسيهم. بما يُمكن القائمين بالحملات من تمثيل الناخبين، بعد فرز الأصوات وإعلان النتائج.
ويثير مفهوم الحملات الانتخابية في انتخابات مجلس الشيوخ2025 عدة إشكاليات ومفاهيم ترتبط بأطراف الحملة الانتخابية، والغرض منها، ووسائلها، ونطاقها، والإنفاق الدعائي بها.
أولا: أطراف الحملة الانتخابية
فأطراف الحملة الانتخابية هم الناخبون والمرشحون والإدارة الانتخابية. فالناخبون هم المصريون المنتمين لقاعدة بيانات الناخبين، وهم مُستقبل مخرجات الحملة، وهم من يتعاطى مع المرشحين، والإدارة الانتخابية.
وقد تلقى الناخبون مخرجات الحملة الانتخابية عبر وسائل متعددة. إذ تعرضوا لها بشكل عفوي غير مقصود من خلال قراءة اللافتات التي ملأت الشوارع في ربوع مصر، أو بشكل مقصود من خلال حضور المنتديات التي نظمت الدولة أغلبها، لكونها هي صاحبة القائمة الموحدة والوحيدة. وقد تلقى الناخبون مخرجات الحملة كأفراد، وربما كجماعات اجتماعية أو سياسية كالعائلات أو كأعضاء في الأحزاب أو نحو ذلك. وتفاعل الناخبون في المنتديات مع الحملة بشكل بدا مصطنعا لكونهم مرتبط بلقطات التليفزيون، أو لكون هؤلاء من قادة الرأي أو المشايعين لمرشحي القائمة أو المرشحين الفرديين.
أما المرشحون المفترض أنهم القائمون بالحملات الانتخابية، فلم يكن معظمهم كذلك خاصة في شق القائمة الفريدة أو في شق المرشحين الفرديين المنتمين تحديدا لحزب مستقبل وطن، فهؤلاء يجدوا من يقومون لهم بتلك المهمة الدعائية، لذلك كان حضورهم بشخوصهم قليل، وبصورهم واسمائهم كثير. حيث يعتمد هؤلاء في الحملة على مؤسسات الدولة الدعائية، والتي بدورها لا تروج إلا لحزب السلطة غير الرسمي أو ممالئيها وللقائمة التي أعدوها بإشراف مباشر منها .
وبالنسبة للجهاز المنوط به إدارة العملية الانتخابية وهو الهيئة الوطنية للانتخابات، فقد وضع الكيفية التي تدار بها الحملات الانتخابية من حيث حدود تلك الحملات، والوسائل المتاح القيام بها خلالها، والإنفاق الانتخابي، ومحظورات الدعاية، وكذلك الإطار الزمني للحملات الانتخابية. وعلى الرغم من أن كل ذلك كان يفترض أن يتم الإعلان عنه بشكل محايد وشفاف وبالوقوف على مسافة واحدة من كافة المرشحين، إلا أن هذا لم يحدث لكون هؤلاء يديرون الحملة وفي ذهنهم أنهم موظفون لدى النظام السياسي ومن ثم يغضون الطرف عن انتهاكات كثيرة أبسطها تجاوز سقف الدعاية الانتخابية.
ثانيا: الغرض من الحملة الانتخابية
ويعد الغرض الأساسي للحملة الانتخابية هو حصول القائمين بالحملة الانتخابية على أصوات تُمكن مرشحهم من التمثيل. ولتحقيق ذلك تقوم الحملة بتحرك إيجابي غرضه دفع الناخب إلى التصويت. هنا من الأهمية بمكان التأكيد على أن الحملة الانتخابية لمجلس الشيوخ2025 لم تبذل جهدا لحث الناس على التصويت على قائمة بعينها، لأنه لا توجد سوى قائمة واحدة بداية. وبالنسبة للشق الفردي لم يتلمس المراقبون وجود جهد كبير من الجميع عبر شخوص هؤلاء لتعريف الناس بهم، وذلك لاتساع مساحة الدائرة الانتخابية، إذ كان المبذول جهد محدود من أشخاص غالبا ما ينتمون للأحزاب السياسية، لكونها القادرة على التمويل مقارنة بالمستقلين من غير رجال الأعمال. خلاصة القول، إن القائمين بالحملة لاسيما في شق القائمة الفريدة يهمهم أمر واحد فقط من الحملة الانتخابية، وهو مشاركة الناس في الاقتراع، حتى تحصل القائمة الفريدة على5% من أصوات الناخبين المقيدين، أما في الشق الفردي فكان الأداء ذو الغرض الدعائي أكثر ضعفا، إذ اعتمد على العائلات والاتصالات الشخصية.
ثالثا: وسائل الحملة الانتخابية
تعني وسائل الحملات الانتخابية الطريقة أو الوسائل المساعدة التي يقوم بها المرشح بأداء المهمة التي تنتهي بتمثيله للناخبين. وهنا يشار لفريق العمل باعتباره الوسيلة الرئيسة لقيام المرشح بذلك، وكذلك وسائل المرشح المستخدمة على الأرض لتنفيذ خطوات الحملة كالمؤتمرات واللافتات وخلافه.
بالنسبة لفرق العمل المساعدة، فقد شهدت الحملة وجود أطقم مساعدة خاصة في الأحزاب السياسية سواء المنضمة للقائمة الفريدة، وهم بالأساس فرق عمل من حزبي مستقبل وطن معد القائمة والجبهة الوطنية، وكذلك أحزاب أخرى من خارج القائمة شاركت بمرشحين على المقعد الفردي كالجيل الديمقراطي، والوعي، والنور، والاتحاد، والاتحاد الديمقراطي. أما فرق العمل التابعة للمرشحين على المقعد الفردي من المستقلين، فكان عددهم وعملهم محدود، بغية توفير النفقات بغرض إتمام الحملة في ربوع الدائرة المتسمة بالكبر في تلك الانتخابات إجمالا.
أما بالنسبة إلى وسائل الحملات الانتخابية، فقد انقسمت إلى نوعين من وسائل الاتصال الجماهيرى: وسائل مباشرة، وأخرى غير مباشرة. فيما يتعلق بالنوع الأول، فهي عبارة عن وسائل يقوم بها المرشح عبر اتصاله المباشر بناخبيه، ومن ذلك عقده للمؤتمرات الانتخابية، وقيامه بجولات شعبية، وحضوره المناسبات الاجتماعية الخاصة بالناخبين. وقد ظهر كل ذلك في شق القوائم حيث عقدت مؤتمرات جماهيرية في القاهرة وسوهاج والجيزة والدقهلية والقليوبية والبحيرة…إلخ. كما نظمت أحزاب الوعي والجيل والنور(وهم من خارج القائمة) مؤتمرات بالإسماعيلية والدقهلية وأسوان على الترتيب، وهي ضمن المحافظات التي رشحت تلك الأحزاب مرشحين فيها على المقعد الفردي.
أما النوع الثاني من الوسائل فيتعلق بدعاية المرشح لنفسه أو عبر غيره من ناخبيه من خلال الصحافة والتليفزيون والملصقات واللافتات والبوابات الإعلانية، وشاشات العرض السينمائية. كما استخدم بعض المرشحين وذويهم وسائل اتصال إلكترونية ولاسلكية أكثر تطورًا كخلق مواقع على شبكة الانترنت والإذاعات الإلكترونية، واستخدام بعضهم وسائل التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر وانستجرام.
رابعا: النطاق المكاني للحملة الانتخابية
ويتصل النطاق المكاني للحملة الانتخابية بأمرين أولهما: الدائرة الانتخابية، والأماكن المسموح فيها بالدعاية. فمن حيث الدائرة الانتخابية، توزعت دعاية القائمة الفريدة على مناطق شاسعة، بسبب كبر حجم الدائرة، خاصة وقد قسمت مصر لأربع دوائر فقط. ونتيجة وجود قائمة واحدة، فلم تشهد أي دائرة تزاحم أو احتكاك بين متنافسين. وبالنسبة للمرشحين على المقعد الفردي، فلم يتبين وجود ذلك الزخم التنافسي المعتاد بين المترشحين، بسبب قلة عددهم، واتساع الدوائر الانتخابية، حيث شكلت كل محافظة مصرية دائرة انتخابية مستقلة.
وبالنسبة للأماكن المسموح فيها بالدعاية، فرغم انه كان هناك التزام عام بعدم استخدام الجدران في الشوارع لملصقات الدعاية الورقية، وهو ما نصت عليه المادة31 من قانون مباشرة الحقوق السياسية، إلا أن مرشحو القائمة استغلوا المؤسسات العامة للترويج، كما أن تلك المؤسسات لعب بعضها دورا في الدعاية الانتخابية. خذ على سبيل المثال المجمع الإعلامي بالبحيرة الذي عقد مؤتمرا نظمته الهيئة العامة للإستعلامات، وتحدثت فيه القيادات المحلية التنفيذية المعينة من الحكومة. هناك أيضا مؤتمر مستقبل وطن باستاد القاهرة الرياضي، وهو مكان عام يتبع وزارة الشباب والرياضة.
خامسا : خرق سقوف الإنفاق الدعائي
ينفق المرشحون مبالغ كبيرة نظير عقد المؤتمرات والمقابلات وإعداد الولائم والملصقات وإعلانات الصحف والتليفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي. وكغيرها من الدول ربطت مصر الدعاية بثلة من المعايير ارتبطت بضرورة ضمان حرية المرشحين في نقل وجهات نظرهم للناخبين، والمساواة وعدم التحيز فيما بينهم أمام أجهزة الإعلام الرسمية الخاضعة للدولة، وعدم الرقابة على بث ونشر برامج المرشحين، وفصل أجهزة الإعلام الحكومية بين نشرها لأخبار الدولة والدعاية للنخب والأحزاب المشاركة في الانتخابات، بحيث لا تسوق تلك الأخبار للدعاية لطرف مشارك في الانتخابات، وتوزيع أجهزة الإعلام الرسمية حصص البث والنشر الدعائي بشكل متساوٍ على المرشحين. وقد ربط القانون في مصر بين خروقات الدعاية الانتخابية السليمة وبين توقيع عقوبات تصل لحد شطب المرشح ، خاصة في حال النيل من السمعة، وحظر استخدام دور العبادة ومنشآت التعليم العامة والمعسكرات في الدعاية الانتخابية، وخرق السقف المالي للإنفاق الدعائي، والتزام المرشحين بتنظيف أماكن دعايتهم الانتخابية في موعد محدد عقب إجراء الانتخابات، وحظر استخدام الأموال العامة في الدعاية، ومنع استخدام مكبرات الصوت في الشوارع، وحظر تلقي أموال من الخارج بغرض الحملات الانتخابية. لكن أغلب تلك المحظورات ارتكبها المرشحون في شقى القوائم والفردي، حيث استغلت المقدرات القومية بشكل كبير من قبل القائمة الموحدة التي أعدتها الدولة، واستخدم المرشحون الأفراد مكبرات الصوت، واستغل البعض دور العبادة، كما تجاوزت غالبية المرشحين السقف المالي للدعاية الانتخابية، من خلال الإنفاق الشره على إعلانات الشوارع ونفقات المؤتمرات الصاخبة من قبل قائمة “مستقبل وطن”. وقد تمت كافة تلك الخروقات على مسمع من الهيئة الوطنية للانتخابات، التي لم يعرف منذ تأسيسها أنها قد شطبت مرشحا أو حزبا مشاركا في الانتخابات.
وهكذا يتبين إننا أمام حملة جديدة من حيث الشكل والمضمون، حملة كان من غير المرغوب على الإطلاق أن تحدث بسبب ضعف المنافسة، وعدم وجود صلاحيات لمجلس الشيوخ. هذا المجلس إلى الأن لم يعرف للتكالب على عضويته سوى الوجاهة والحصانة.
أما الجهات التي تقوم بالرقابة على الحملة فهي متعددة، لكن أهمها الرقابة الرسمية من قبل الهيئة الوطنية للانتخابات، والتي لم يعرف طوال تاريخها أنها قامت بشطب مرشح فرد، أو حزب، بسبب تجاوزات في الحملة الانتخابية.