مقالات وآراء

د.عدنان منصور يكتب: مؤتمر نيويورك وسراب الدولة الفلسطينية: رفض «إسرائيلي» وصلف أميركي وشلل عربي!

هل يظنّ المشاركون في مؤتمر الأمم المتحدة في نيويورك، برعاية فرنسا والسعودية، أنّ مساعيهم ستتكلل بالنجاح، بشأن التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، الرامية إلى اعتماد مسار يؤدي إلى حلّ الدولتين، وإنهاء الصراع
الإسرائيلي” الفلسطيني؟!
إنّ عدم حضور الولايات المتحدة و”إسرائيل” المؤتمر، لن يخوّله الذهاب بعيداً لتحقيق هدفه المرجو ويعطي أكله، بعد أن وصفته واشنطن بأنه “مسرحيّة إعلاميّة”!
هل يتصوّر المؤتمرون في نيويورك، أنّ واشنطن وتل أبيب ستقبلان بحلّ يخرج عن طوعهما، وإرادتهما، وموافقتهما المسبقة؟!
عن أيّ حلّ للدولتين يبحث عنه المؤتمرون الذين يقرّون أصلاً بالدولة “الإسرائيلية”، وهي بالنسبة لهم ليست مشكلة، وهي تحصيل حاصل. لكن عقدة المشكلة تكمن في الدولة الفلسطينية التي ترفض “إسرائيل” وجودها في الشكل والأساس، بعد أن سبق وعبّر عن ذلك قادة كيان الاحتلال جهارة مرات ومرات، متذ نشوء الكيان المؤقت وحتى يومنا هذا.
هل يستطيع المؤتمرون، وفرنسا بالذات، أن تلوي ذراع تل أبيب، وتخرج عن إرادة الولايات المتحدة وتلزمها الأخذ بما يقرّره المؤتمرون؟! هل يعتقد هؤلاء أنّ أي توصية أو قرار يتعلق بقيام الدولة الفلسطينية لن يلقى رفضاً قاطعاً من “إسرائيل”، أو إجهاضاً للمشروع من قبل الولايات المتحدة؟!
دولة فلسطينية يبحث عنها المؤتمرون، وبالذات العرب الذين لم يكلّوا ولم يملّوا، وهم يحملون لواءها منذ عقود، في اجتماعاتهم، ومؤتمراتهم، وقممهم، ولا يريدون أن يقتنعوا بعد كلّ ذلك، انّ الدولة الفلسطينية التي يتطلعون إليها لم تعد قائمة، نتيجة سياساتهم المتخبّطة الفاشلة، وتباين
مواقفهم الهزيلة الهشّة وهرولة العديد من الدول العربية للتطبيع مع كيان الاحتلال!
هذه الحقيقة المرّة هي التي جعلت “إسرائيل” تعربد، وتتوحّش، وتتعاطى مع مسألة “الدولة الفلسطينية” من موقع العنجهيّة، والقوة، والأمر الواقع، دون أيّ اعتبار لدول وزعماء العالمين العربيّ والإسلاميّ، وعدم الاكتراث بهم وبمؤتمراتهم، ومواقفهم وبكلّ ما يطالبون به في العلن بشأن قيام الدولة الفلسطينية.
واشنطن وتل أبيب، تعلمان جيداً مواقع الضعف والفشل لدى دول العالمين العربي والإسلامي، ومدى ارتباط غالبية زعمائهما بالولايات المتّحدة، ومدى “جديّتهم” و”اهتمامهم”، و”اندفاعهم” في الدفاع الحقيقيّ عن قضية الشعب الفلسطيني، الذي تُرك على حاله وحده في غزة، يُباد، ويجوّع، ويُسحق، فيما هم مسمّرون، لا حراك لهم، ودم الأخوة والإنسانيّة جفّ في عروقهم، يرون المشهد الرهيب، أمام ذهول ودهشة العالم كله من مواقفهم المريبة، المشبوهة حيال أبناء أمتهم!
ما هي هذه الدولة الفلسطينيّة التي يتطلّع إليها المؤتمرون، وبالذات المسؤولون العرب في نيويورك، في الوقت الذي لم يترك الاحتلال “الإسرائيلي” أرضاً كي تقام عليها الدولة الفلسطينية؟! لماذا يبقى وهم الدولة الفلسطينية يدور في الذهن العربي، فيما سياسة الاستغباء، والنفاق والاستخفاف بالعقول، واللعب على حبال القضية الفلسطينية تظلّ سارية في سلوك تعاطينا مع الشعب الفلسطيني؟! ما الذي فعله العرب لوقف الاستيطان وحروب “إسرائيل” ومجازرها التي لا تتوقف؟! أبالتطبيع والتعلّق بركاب الأميركي و”الإسرائيلي”، تقام الدولة الفلسطينية، ويتوقف الاستيطان، أم بغضّ النظر عن كلّ ما يرتكبه من حصار، وتجويع، وإبادة بحق الشعب الفلسطيني؟!
مؤتمر نيويورك يبحث عن دولة فلسطينية، وأي دولة! هل يتصوّر عاقل من المؤتمرين في نيويورك، وبالذات العرب، أنّ “إسرائيل” على استعداد لإخلاء المستوطنات في الضفة الغربية التي تزيد عن 130 مستوطنة رسمية، عدا بؤر مستوطنات غير قانونية، وتخلي منها 500 ألف مستوطن يهودي؟! هل “إسرائيل” على استعداد أن تخلي من القدس الشرقية، “عاصمة” الدولة الفلسطينية من المستوطنين الذين بلغ عددهم اليوم أكثر من 220 ألف مستوطن، متجاوزين السكان الفلسطينيين الأصليين فيها؟!
أي دولة فلسطينية يبحث عنها المؤتمرون في نيويورك، بعد تصريح المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، التي وصفت المؤتمر بـ”أنه غير مثمر، وجاء في توقيت غير مناسب بشأن حلّ الدولتين، ومجرد حيلة دعائيّة تأتي في خضمّ جهود دبلوماسية حساسة لإنهاء الصراع”، فيما وزير الخارجية روبيو اعتبر جهود المؤتمر “صفعة على وجه ضحايا 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ومكافأة للإرهاب”؟!
ليقل لنا العرب والمؤتمرون في نيويورك، كيف يمكن تحقيق الدولة الفلسطينية، فيما الكنيست الإسرائيلي، قام بالتصويت على فرض السيادة “الاسرائيلية” التامة على الضفة الغربية، متحدياً بغطرسته ووقاحته العالم كله، وبعد أن سبق لواشنطن أن ألمحت للإسرائيليين ضرورة مضيّهم قدماً في فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية؟! ألم يتناغم قرار الكنيست كلياً مع مذكرة 3000 من القادة الإنجيليين الروحيين الأميركيين، سلّموها للرئيس دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية الأخيرة، تطلب منه الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، و”حق الشعب اليهودي في يهودا والسامرة” باعتبارهما “معقل “إسرائيل” التوراتي”؟!
هل سمع العرب ما قاله وزير المالية “الإسرائيلي” سموتريتش رداً على مؤتمر نيويورك: “حضرنا الخرائط وكلّ شيء جاهز لبسط سيادتنا على الضفة الغربية، ولن يكون هناك دولة للفلسطينيين والرئيس ترامب إلى جانبنا”.
هل يتصوّر المؤتمرون، وفرنسا بالذات، أنّ الولايات المتحدة و”إسرائيل” ستتركان ماكرون يحقق إنجازاً تاريخياً مدوياً لجهة حلّ الدولتين دون عرقلته وإجهاضه؟! واشنطن أعربت عن “معارضتها لأي خطوة من شأنها الاعتراف من جانب واحد بدولة فلسطينية مفترضة، تضيف عراقيل قانونية وسياسية أمام الحلّ النهائي!”.
لم تستطع دول العالم وللأسف الشديد، إدخال فلسطين إلى الأمم المتحدة كعضو كامل، بسبب الفيتو الأميركي المنحاز لـ “إسرائيل” بشكل سافر، غير قانونيّ، ولا أخلاقيّ، فيما دولة الاحتلال تستمرّ في طغيانها، وتوسّعها وعدوانها، رافضة حلّ الدولتين، معتمدة على الدعم الأميركي الكامل لها.
الولايات المتحدة بموقفها تجاه “إسرائيل”، وتجاه مؤتمر نيويورك، والدولة الفلسطينية، تريد أن تقول: “العالم كله في كفة، وأنا في كفة أخرى.لا حلّ إلا بموافقتي ووفق شروطي. أما العرب، فلا دور، ولا خيار، ولا أهمية، ولا أيّ اعتبار لهم عندي”! هل يعلم العرب أنّ مهمة الأميركي حيالهم، تنحصر في الطلب منهم، والتوجيه، والأمر، والابتزاز والأخذ، والغرف! هل هناك غير العرب على الساحة الدوليّة يستجدون الحلّ لقضاياهم المصيرية، من الإمبراطورية العظمى، ويتوسّلون إليها، فيما هم يمتلكون الكثير الكثير من مقومات القوة، والضغط، والتأثير التي لو استخدموها، لأجبروا الطغاة والمستبدّين بحق الشعب الفلسطيني وقضيته الإنسانية على القبول بمطالبهم المحقة،
وتنفيذ القرارات الأممية، واحترام حقوق الشعوب !
للفلسطينيين، وللأحرار في عالمنا العربيّ، نقول: لا تنتظروا حلاً من مؤتمر نيويورك، ولا خيراً من واشنطن، ولا سلاماً من تل أبيب، ولا تعوّلوا على الأوروبيين، ولا على مسؤولين عرب، فجميعهم يدورون في فلك أميركي، حيث الولايات المتحدة تخطط، تأمر، وتنفذ، وما على الآخرين إلا الطاعة!
ما هو الجديد الذي تضمّنته الوثيقة الختاميّة التي صدرت عن المؤتمرين في نيويورك، والتي اعتبرت خريطة طريق للعمل نحو تحقيق السلام العادل والدائم والشامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكذلك التأكيد على “المسؤولية المتواصلة للأمم المتحدة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وضرورة إنهاء احتلال “إسرائيل” للأراضي التي سيطرت عليها عام 1967، واحترام القانون الدولي بما في ذلك القانون الإنساني، وذلك الخاص بحقوق الإنسان”! ما الجديد في هذه الأدبيات السياسية التي تضمّنتها الوثيقة الختامية؟! ألم تصدر هذه الأدبيات السياسية سابقاً عن نداءات دول، وعن بيانات العديد من المنظمات، والمؤتمرات، والقمم الدولية، ومنظمة الأمم المتحدة؟! هل استجابت مرة “إسرائيل” لهذه النداءات والبيانات؟! وهل يظنّ عاقل أنّ الوثيقة الختامية لمؤتمر نيويورك ستلقى تجاوباً من قبل تل أبيب وواشنطن، وهل ستكون أفضل من المبادرة العربية للسلام التي تبنّتها القمة العربية في بيروت عام 2002، والتي وصفها رئيس حكومة العدو شارون أنها لا تساوي الحبر الذي كُتبت به؟! ترى كم تساوي وثيقة المؤتمرين في نيويورك اليوم لدى مجرم الحرب جزار غزة، ولدى الدولة العظمى المستبدة؟!
لا تنتظروا دولة فلسطينية من مؤتمر نيويورك، ولا من واشنطن وتل أبيب. الدولة الفلسطينية تحتاج إلى موقف عربي موحّد يوظف كلّ مقومات القوة ووسائل الضغط كافة التي يمتلكها العرب، والتي لم يستخدموها وللأسف الشديد، حتى في أحلك الظروف وأخطر الأوقات !
أين هي القرارات الحازمة والرادعة، والعقوبات الصارمة التي اتخذتها 57 دولة عربية وإسلامية للجم الاحتلال الإسرائيلي، ومجازره التي يرتكبها في فلسطين ولبنان وسورية، ووضعه عند حده بدلاً من الاستنجاد بالآخرين وبمؤتمراتهم؟!
هذه هي حال العرب ومأساتهم على الدوام! هكذا هم وهكذا سيبقون، ومعهم تبقى مواقفهم وقراراتهم العقيمة كالزبد الذي يطفو على سطح البحر ويذهب جفاء

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى