مقالات وآراء

علي الصاوي يكتب: المطبعون في الظلام

عندما يلتبس الأمر على الإنسان وتتملكه الحيرة أمام أى موقف أو اتخاذ قرار، يعود إلى فطرته بتجرّد من أى رتوش أو مساحيق، لتهديه إلى الصواب وتدله على الخير ليتبين له سواد الأمر من بياضه، وما مِن إنسان أصغى إلى صوت فطرته بصدق إلا وتجلّت له الحقائق ورُفعت الغشاوة من على عينه ورأى بجلاء البصيرة ما كانت تنكره غشاوة البصر، فالإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس، وفطرة الإنسان جهاز حساس يستشعر الصواب من الخطأ وإن لم يكن عالما بهما، ورغم ذلك تجد بعض الضعفاء يلتمسون لأنفسهم مبررات أوهن من بيت العنكبوت في حجتها وقياسها في بعض القضايا الواضحة التى لا تحتاج إلى أدلة قاطعة وبراهين، إما لقضاء حاجة رخيصة أو لانحراف طبع أصيل في نفوسهم، بعيدا عن أى مؤثرات خارجية أو حاجة مادية، عندهم قابلية للبيع والشراء في سوق السقوط الإنساني.

وليس يصح في الأفهام شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل.

وليس هناك أوضح من حقيقة القضية الفلسطينية التي ليست بحاجة إلى ماجستير أو دكتوراة للإيمان بعدالتها ووجوب الدفاع عنها، فهى كما قال أحد القادة المناضلين قديما: “إن القضية الفلسطينية هى خط التماس بين تمام الحق وتمام الباطل”.

فلا يحيد عن الدفاع عنها ويبرر ما يحدث لأصحابها من قتل وتهجير وتجويع وإبادة إلا شاذ الفكر معلول النية، فاقد للعروبة والوطنية، هى قضية واضحة كالشمس في وضح النهار ليست بحاجة إلى دليل للإيمان بها، وقد انبرت بعض الشخصيات العربية في الخارج تحديدا، المارقة من هويتها والمنسلخة من عروبتها والمنسحقة من الداخل هزيمة ودونية اجتماعية لتلتحق بقطار التطبيع وكسر عزلة الاحتلال بحيلة والتفاف مفضوح بحثا عن دفء دولاراته المغموسة بدماء الأبرياء في غزة، وأهلنا في الضفة وكل شبر من أرض فلسطين.

هؤلاء تعرفهم بسيماهم من سواد وجوههم وتقلب أحوالهم المادية والاجتماعية، تراهم بين ليلة وضحاها يحملون عدة تأشيرات في جوزات سفرهم وأرصدة من الدولارات في حساباتهم البنكية، وسيارة فاخرة ثمنها مبلغا وقدره، وكانوا قبل يطرقون الأبواب طلبا لمساعدة أو الالتحاق بوظيفة وليتهم بقوا كذلك لكان أشرف لهم وأقوم، بل باتت تلك الشخصيات علامة للخيانة والخسة والوضاعة، يلعبون دورا مزدوجا مدفوع الأجر مقابل امتيازات تافهة لا تزدهم في الحياة إلا ذلا، مثل ذاك المطبّع الذي يُقدم نفسه على أنه خبير في الشأن العبري كآلية دفاع عن خيانته ويقدم قرابين الطاعة والولاء لأجهزة أمنية خارجية عبر إيذاء البسطاء والنشطاء ممن يَحملون فكرة حسنة أو موقف شريف ليتم إبعادهم وقطع أرزاقهم بعد ذلك دون سبب يُذكر مقابل حمايته وتحركه بحرية ونثر كذبه في الآفاق ليصل كل بعيد.

يشترون بالحق ثمنا قليلا، وما أشد هوانهم على العدو فهو ينظر إليهم بعين الاحتقار والازدراء، وهذا ما تجلى في عبارة قالها أحد قادة الصهاينة في كل عميل يهرول نحو التطبيع ويقدم قرابين الولاء ونذور الطاعة، يقول: “إن هؤلاء مثل دوابّ موسى ويجب علينا فقط ركوبهم للوصول إلى الوجهة النهائية، إن شراء سرج جديد وعلف جيد للدابة واجب، ولكن يجب أن ينظر صاحب الدابة إليها كوسيلة للركوب فحسب، لأن مكان الدابة في الاسطبل ولا أحد يذهب بها إلى غرفة استقبال بيته”.

تلك هى نظرتهم إليهم يشبهونهم بالدواب بل إن الدابة أشرف من كل مطبع لأنها تقوم بواجبها وفقا لطبيعة خلقها وهذا لا يعيبها، لكن أن يخلق الله الإنسان في أحسن صورة وهيئة ويميزه بفطرة سليمة وعقل قادر على التفريق بين الحق والباطل ثم يدنس نفسه بعمل الشياطين وموالاة أعداء الله بل والحياة والبشرية كلها؟ فهذا هو الجنون بعينه، ثم بعد أن يُحقق “التارجيت” ويستغنوا عنه تجده يجري هنا وهناك يبحث عن أى ثوب طاهر يمسح بطرفه ما عَلِق على وجهه من سواد التطبيع والخيانة، وهو يقول: كان لا بد أن نواجههم من خلال منابرهم ونفرض وجهة نظرنا خدمة للقضية! كلام فارغ من أى قيمة وأى شفاعة تشفع لهؤلاء تطبيعهم، وقد قال أحدهم يوما: لو تستطيعون دفع راتبا قيمته كذا وكذا سأتخلى عن العمل معهم” إذن هى الأموال وليست المبادئ والقيم، هو الجوع والفقر وليس عرض وجهات نظر، وهل العدو الواضح الصريح بحاجة إلى تبادل وجهات نظر أم إلى مقاومة وحصار وفضح جرائمه في كل مكان؟

كانت القضية الفلسطينية هى الكاشفة التى أسقطت أقنعة المطبعين والمندسين والمتخفين وراء منظمات مشبوهة أنشأوها لاستيفاء الشكل العام لشرعية تطبيعهم وجمع البيانات واستخدامها لصالح الكيان مقابل مبالغ مالية، ليبق المشهد العربي مفتوحا أمامه على صعيد الأنشطة الإنسانية والحقوقية للنشطاء والمدافعين عن القضية، لكن الغريب في الأمر هم أولئك السذج البسطاء الذين يدافعون عنهم بغية كسرة خبز أو فتات مائدة عفن أو لقطة في مؤتمر إعلامي، تلك الموالاة لن تغنى عنكم من السقوط والخيانة شيئا، فمن يوالى المطبعين فهو منهم ومن يطبع مع الكيان بالقول أو بالعمل أو حتى بالشعور فهو منهم وإن كان عربيا مسلما اسما ورسما، ومثل هؤلاء بحاجة إلى غسل نفوسهم سبع مرات إحداها بالتراب لمحو آثار التطبيع ودنسه في النفس، وقد لا يؤثر التراب فيمن كان الدنس والتطبيع في نفسه أصيل، مثل جلود الخنازير مهما دبغتها ونظفتها لتطهيرها تبقى كما هى لا تصلح للاستخدام لأن النجاسة فيها أصيلة وليست عارضة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى