
بعد 22 شهرًا من أشرس معركة شهدها القرن بين المقاومة الفلسطينية والعدوان الصهيوني المدعوم من الغرب، يبدو أن المشروع الصهيوني المسيحي قد قرر الانتقال إلى طور أكثر شراسة:
“الاحتلال الكامل لغزة”.
فما المتوقع في الأيام القادمة؟ وما آثار هذا القرار على غزة والمقاومة؟ وماذا يجب أن تفعل حماس؟ وما دور الشعوب الإسلامية وأحرار العالم؟ وهل يتعارض هذا المشهد الكارثي مع وعد الله بالنصر والتمكين؟
أولًا: الاحتلال الكامل لغزة.. ما الذي يعنيه؟
انتقال الاحتلال من حصار دائم إلى سيطرة مباشرة على الأرض والسكان، يتضمن:
الانتشار العسكري في كامل القطاع، خاصة في الحدود مع مصر.
إقامة مناطق عازلة وقواعد دائمة وتفكيك وحدة الجغرافيا.
إنشاء إدارة مدنية بديلة متعاونة تحت غطاء إنساني أو محلي.
تنفيذ سياسة “التجويع القاتل” لتركيع الناس وتهجيرهم قسرًا.
الهدف الأساسي: إنهاء البيئة الحاضنة للمقاومة وتحويل غزة من “معقل تحرر” إلى “منطقة خاضعة”، تمهيدًا لتنفيذ باقي مراحل “صفقة القرن” و”إسرائيل الكبرى”.
ثانيًا: ما المتوقع في الأيام القادمة؟
تصعيد التهجير والإبادة البطيئة: تكثيف القصف، حصار الدواء والغذاء، الضغط على مصر لفتح المعبر نحو سيناء، والضغط على السكان لترك القطاع.
حرب وعي شاملة: تشويه صورة المقاومة بزعم أنها السبب في الدمار.
استخدام بعض “الناجين” لترويج خطاب الخضوع.
تصوير الاحتلال كمنقذ عبر قنوات التطبيع والدعاية.
محاولة إنتاج قيادة بديلة: إحياء شخصيات متعاونة.
فرض إدارة مفروضة تتحدث باسم غزة ولا تمثلها.
ثالثًا: أثر ذلك على المقاومة
رغم المأساة، لم تُهزم المقاومة:
لا تزال بنية القيادة صامدة رغم الاستنزاف.
لا يزال الشعب يلتف حول خياره في التحرر.
توازن الردع لم يسقط كليًا، والمحتل يتلقى ضربات.
المقاومة تدرك أن الاحتلال يسابق الزمن لأنه يعاني من فقدان الشرعية، والانقسام الداخلي، واستنزاف الجنود.
رابعًا: ما المطلوب من حماس والمقاومة؟
الثبات والصبر الاستراتيجي: لأن لحظة الحسم لا تكون بقرار منفعل بل بثبات محسوب.
تنشيط المقاومة الميدانية والذكاء الحربي: من خلال الكمائن، والمباغتات، وحرب الاستنزاف المتفرقة.
تصعيد المواجهة الإعلامية:
فضح الكارثة عالميًا.
التأكيد على البعد الإيماني التحرري، لا الوطني فقط.
تصدير خطاب الكرامة وليس خطاب الضحية.
الربط بين غزة وفلسطين الكبرى: المقاومة ليست معركة معزولة، بل رأس حربة مشروع التحرر الإسلامي.
خامسًا: ما واجب الشعوب الإسلامية والأحرار في العالم؟
كسر التواطؤ الدولي: عبر التظاهر، الاعتصامات، والنشاط البرلماني والإعلامي.
عبر فضح الأكاذيب الغربية حول “أمن إسرائيل”.
مقاطعة اقتصادية ذكية ومنظمة: لمصالح الكيان وداعميه، وخاصة الشركات المشاركة في الحرب.
الدعم المادي والمعنوي لغزة: من خلال صناديق شعبية، وتوثيق الجرائم، وتقديم الشهادات في المحافل الدولية.
فضح الأنظمة المتواطئة:
وخاصة من يغلق المعابر، ويموّل التطبيع، أو يصمت عن الإبادة.
سادسًا: هل يتعارض هذا المشهد الكارثي مع وعد الله بالنصر؟
أبدًا، بل هو من سُنن التمحيص والتمكين.
قال الله تعالى: “أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين” (آل عمران: 142)
“إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس…” (آل عمران: 140)
النصر وعدٌ إلهي، لكنه مشروط بـ:
الصبر والثبات.
صفاء النية وتوحيد الصف.
رفض التنازل والتفريط.
الاستمرار في الجهاد وعدم اليأس.
ما يجري في غزة اليوم قد يكون التمهيد الإلهي لنصرٍ كبير، بشرط ألا تضعف المقاومة، وألا تخون الأمة.
خاتمة: إن الكيان الصهيوني، بعد 22 شهرًا من الحرب، يعيش لحظة من الجنون واليأس معًا.
يسعى لإخضاع غزة مهما كلف الثمن، لكن غزة الصابرة المجاهدة لا تزال تقف شوكة في حلقه، تحمل راية الأمة في وجه المشروع الصهيوني المسيحي.
فلا تتركوها وحدها.
“ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز” (الحج: 40)