شباك نورمقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب : لماذا… مركز للهُوِيّة المصرية في إسطنبول؟

في السادس من أكتوبر ٢٠٢٥، وبعد 52 عاما من نصرٍ عسكري أعاد الأرض، نضع حجرًا جديدًا في معركةٍ لا تقل قداسة: معركة استرداد الهوية، وتحرير الذاكرة، وإعادة المعنى للانتماء.
جمعية الشرق للفنون والثقافة تطلق مشروعها الأهم والأوسع:
“المركز الثقافي المصري في إسطنبول”
ليكون في قلب المدينة التي عَبَرت بين الشرق والغرب، وتصالحت فيها الحضارات قبل أن تتصادم في عواصم أخرى.

لم تكن إسطنبول اختيارًا جغرافيًا، بل قرارًا حضاريًا.
مدينة تعيش على مفترق التاريخ، وتضم جاليةً مصريةً مهاجرة في معظمها قسرا، من مثقفين، ومبدعين، وإعلاميين وسياسيين مهجرين، ومواليد جدد يحملون الجنسية المصرية دون أن تسكن فيهم مصر بعد.
جيلٌ خرج من أرض الوطن صغيرًا، وشبّ بعيدًا عنه، يحمل اسمه، ويجهل وجوهه.
ولم ير من مصر سوى صورة حزينة على شاشة، أو ذكرى باهتة في حقيبة أسرته. جيلٌ من أبناء النفي القسري أو الهجرة الطوعية، ما زال يستحق أن يعرف بلاده، لا كما أراد لها التلفزيون الرسمي، بل كما كانت وكما يجب أن تكون.

من أجل هذا الجيل، ومن أجل مستقبل يتّسع لا يضيق، نطلق المركز بثلاثة روافد تحمل رسائل عميقة:


رواق الحضارة الفرعونية:
الذي تدشن توسعات كبيرة في معروضاته بعد عام من تدشينه، لنُعيد فتح الأبواب على تاريخٍ ضُيِّق عليه، ونُذكّر أن مصر لم تبدأ من قرارات السيّد الرئيس، ولا من صفحات المجد الزائف. مصر التي شيّدت الأبجدية، وابتكرت التقويم، وكتبت الحجر قبل أن تُكتب القوانين.

معرض شخصيات أثّرت في مصر الحديثه خلال القرن العشرين:


لا نكتفي بمن نتفق معهم، بل نحتفي أيضًا بمن نختلف معهم، طالما كانوا جزءًا من صنع المشهد المصري. نعرض وجوه مثل محمد علي الكبير، والخديوي اسماعيل وأحمد عرابي ومصطفى كامل وسعد زغلول، مصطفى النحاس، عبد الناصر، محمد نجيب، عبد المنعم رياض، ورفاعة الطهطاوي، وطه حسين، والعقاد، وهدي شعراوي ومصطفى النحاس ومكارم عبيد. ومحمد نوح، وزينب الغزالي، حسن البنا، مصطفى أمين، عادل عيد، ممتاز نصار، و100 شخصية غيرهم ممن لم يهملهم التاريخ، ولن نُهملهم نحن. شخصيات اختلفنا معها أو اتفقنا، لكنها تركت أثرًا لا يُمحى.
نحن الآن في طور استكمال العمل بهذا المعرض، الذي سيضم مجسمات ومقتنيات وصورًا نادرة، لتلك القامات الفكرية والسياسية والفنية والدينية، ممن ساهموا في صناعة الوعي المصري الحديث. لا نُعيد كتابة التاريخ، بل نُعيد فتحه للنقاش، والتأمل، والفهم.

معرض تطوّر أدوات وفنون التصوير:


ليُقال بالصورة ما عجزت عنه الكلمات. من العدسات التي وثّقت ثورة، إلى كاميرات التقطت المقهورين في الزنازين، والمبعدين في المنافي. توثيقٌ لا يُحرِّف، وعدسة لا تُزيِّف، وذاكرةٌ بصرية تُقاوم النسيان.

لسنا بصدد مشروع جمالي أو ديكوري، أو تعليمي فحسب، بل تجربة رائدة في استرداد ما تم انتزاعه من المواطن المصري: شعوره بأنه ينتمي.
لا نُريد لمصر أن تُحب بالهتاف، بل بالمعرفة. لا نرفع “تحيا مصر” كشعار فوق رأس الحاكم، بل نعمل لأن تحيا في وعي أبنائها، في ذاكرتهم، في حكاياتهم، في أغنياتهم، وفي أسئلتهم قبل إجاباتهم.

الهوية ليست سؤالًا نظريًا، بل مفتاح الوطن في القلب.
حين يعرف المواطن من هو، ومن سبقوه، وماذا قدموا، وما وقع على هذه الأرض من فكر ونضال وأدب وموت وحرية… لن يحتاج أحدٌ إلى إجباره على حب الوطن. سيُحبّه كما يُحبّ الأم التي يعرفها، لا التي يراها فقط في صورٍ مؤطرة فوق الجدران.

نحن لا نبني متحفًا، بل نُشيِّد ذاكرة.
لا نعرض تماثيل، بل نحكي قصصًا. لا نُعلّق صورًا، بل نفتح نوافذ على التاريخ. وفي إسطنبول، نكتب فصلًا جديدًا من سردية مصر… تلك التي لم نكتبها من قبل لأن النظام لم يسمح، ولم يُرِد، ولم يُؤمن بجدوى أن يعرف الناس الحقيقة.

ومن هنا، ندعو كل مصري غيور، وكل عربي مهتم، وكل مُحب للمعرفة والحضارة، إلى أن يكون معنا في هذا الحدث الذي نريده أن يكون افتتاحًا لذاكرة، لا مجرد قصّ شريط.
ندعوكم جميعًا لحضور الافتتاح الرسمي للمركز الثقافي المصري في إسطنبول، في السادس من أكتوبر ٢٠٢٥، ليكون هذا اليوم استعادةً أخرى للكرامة، لا في ساحة المعركة، بل في ساحة الهوية والوعي والانتماء.

✴️ لماذا… مركز للهُوِيّة المصريةفي إسطنبول؟ ✴️ بقلم د. أيمن نور 🔸 في السادس من أكتوبر ٢٠٢٥، وبعد 52 عاما من نصرٍ…تم النشر بواسطة ‏‎Ayman Nour‎‏ في الأربعاء، ٦ أغسطس ٢٠٢٥

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى