الأكشاك الخشبية تتحول إلى صيدليات بديلة في غزة وسط نقص كارثي في الأدوية

على امتداد الشريط الساحلي الغربي لقطاع غزة، من مدينة غزة شمالًا حتى مواصي خان يونس جنوبًا، تنتشر مئات الأكشاك الخشبية المغطاة بالنايلون، تحولت إلى صيدليات بديلة في ظل النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية نتيجة الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
هذه الأكشاك البسيطة، التي تُعرض فيها كميات محدودة من الأدوية على أرفف خشبية أو بلاستيكية داخل بيئة شديدة الحرارة ودون أي معايير تخزين آمنة، أصبحت ملاذًا للمرضى رغم خطورتها، في ظل غياب البدائل.
طوابير وانتظار وأدوية مفقودة
في صيدلية “بدر” بمنطقة المواصي قرب جامعة الأقصى، يصطف عشرات المواطنين حاملين وصفات طبية، يسألون عن توفر الأدوية. الطبيب الصيدلي عمر بدر يجيب: “3 من أصل 7 أصناف متوفرة، والباقي نستبدله ببدائل مقاربة”.
إحدى الأمهات، تحمل طفلها البالغ شهرين، انهارت بالبكاء بعد إبلاغها بعدم توفر حليب الأطفال، لتُصدم بأن عبوة الحليب التي كانت تباع بـ30 شيكل (9 دولارات) تُعرض في السوق السوداء بأكثر من 250 شيكل (70 دولارًا) بعد أن تم الاستيلاء عليها من المساعدات الجوية.
من تحت الركام إلى كشك ميداني
الدكتور عمر بدر، رئيس مجموعة صيدليات بدر، قال إن جميع فروعه الثلاثة في خان يونس دُمّرت أو تضررت، وتمكّن فقط من إنقاذ كميات محدودة من الأدوية من تحت الركام، مضيفًا: “منذ أكتوبر 2023 لم تدخل أي شحنة دوائية إلى القطاع، وأكثر من 80% من الأصناف الأساسية غير متوفرة، خاصة حليب الأطفال، الفوط الصحية، المضادات الحيوية، المسكنات والمطاعيم”.
وأوضح أن غياب الرقابة حوّل سوق الأدوية في غزة إلى حالة فوضى، حيث تُباع أدوية منتهية الصلاحية أو تالفة بسبب سوء التخزين، ما يعرّض حياة المواطنين للخطر.
تحذيرات رسمية وبدائل قاتلة
وزارة الصحة في غزة حذّرت من شراء الأدوية من الأكشاك غير المرخصة، فيما كشف تقرير “اليونيسيف” أن كثيرًا من سكان القطاع باتوا يعتمدون على “بدائل قاتلة” مثل مكملات غذائية للأطفال يتناولها البالغون، أو عسل ملوث بدل المضادات الحيوية، ومشروبات عشبية كعلاج لأمراض مزمنة، ما رفع معدلات الوفيات بنسبة 40%.
أرقام صادمة عن انهيار القطاع الصحي
بحسب الدكتور زكري أبو قمر، نائب المدير العام للصيدلة في وزارة الصحة، فقد دُمّر أكثر من 87% من الصيدليات في غزة، مع عجز بنسبة 37% في الأدوية الأساسية (229 صنفًا)، ونقص 59% من المستلزمات الطبية (597 صنفًا)، إضافة إلى نفاد 80% من أدوية السكري والأنسولين.
وتتصدر أدوية السرطان وأمراض الدم قائمة النقص بنسبة 92%، تليها أدوية صحة الأم والطفل (51%)، والمطاعيم (42%)، وأدوية الرعاية الأولية (40%)، وأدوية الكلى (25%)، وأدوية الصحة النفسية (24%)، وأدوية الجراحة والعناية المكثفة (23%).
كارثة إنسانية مستمرة
رغم الظروف الكارثية، يواصل الصيادلة في غزة عملهم وسط صمت عربي ودولي على ما وصفه أطباء بـ”المحرقة الإسرائيلية”. ومنذ بدء الحرب، أسفرت عمليات الاحتلال عن أكثر من 211 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين.