مقالات وآراء

د. عدنان منصور يكتب : لبنان: بيت بلا سقف.. وجدرانه متصدّعة.. يبحث عن سيادة!

تعالت بشدة في الفترة الأخيرة، أصوات “الغيارى” على السيادة اللبنانية، وحرصهم الشديد عليها، وعلى أمن البلاد واستقرارها.
لم يتوقف هؤلاء عن إسهال تصريحاتهم اليوميّة، ومطالبتهم بحصرية السلاح في يد الدولة، التي وحدها تستطيع أن تبسط سيادتها على كامل الأراضي اللبنانيّة، وتوفير الأمن والأمان لشعبها!

ليس هناك في بلد ما، من يرفض قيام الدولة وجيشها الوطني بفرض السيادة، وحصر السلاح بقواتها المسلحة. هذا الأمر بديهيّ في بلد حرّ مستقر، يمتلك فعلاً سيادته نظرياً وعملياً، وقادر بقواته المسلّحة حماية قراره السياديّ الوطني المستقلّ، أكان في الداخل، أم تجاه الخارج، شرط أن يكون البلد غير خاضع جزئياً أو كلياً للاحتلال، كما هو حال لبنان مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

هل هناك من مسؤول في لبنان يجرؤ على قول الحقيقة المرّة، وهي أنّ القرار الذي اتخذته حكومة الرئيس نواف سلام الذي يجرّد لبنان من حق مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، كان بإرادة وإملاءات، وتعليمات، وأوامر الولايات المتحدة، وأنّ الحكومة ممنوع عليها اتخاذ القرارات السيادية الحساسة بسبب ضغوط، وتدخلات، وأوامر، وتهديد، ووعيد الأميركيّ المستبدّ؟!

عندما يكون هناك بلد مثل لبنان مهدّد دائماً من عدو، وجزء من أرضه تحت الاحتلال، وقدراته العسكرية المتواضعة لا تقارن مع الترسانة العسكرية الهائلة للعدو، كما هو الحال مع “إسرائيل”، فكيف سيحمي أرضه في ما بعد، ويحرّرها من المحتلين، وعلى مَن ستعتمد الحكومة اللبنانية بعد ذلك إذا ما تمّ حصر السلاح بجيشه؟!

هل ستقف واشنطن إلى جانب لبنان، ضدّ أطماع “إسرائيل”، التي تتلقى الدعم الهائل والمتواصل منها، مخالفة القوانين الدولية، والاتفاقيات الأممية، والمجتمع الدولي!

عندما تكون دولة تحت الاحتلال، ينتفض جيشها الوطني للدفاع عن شعبه وأرضه، وإذا كانت قدرة الجيش لا تفي بالحاجة، ينضمّ إليه الشعب بمقاومة عارمة بغية دحر العدوان. ألم يكن هذا، حال الفرنسيين أثناء مقاومتهم للاحتلال النازيّ، ومقاومة الفيتناميين للاحتلال الأميركي، والجزائريين للاحتلال الفرنسي، وغيرهم من الشعوب المقاومة التي قاومت الاحتلال، فتحرّرت بوحدة جيشها ومقاومة شعبها!

لكن ماذا عن لبنان، هذا البيت بلا سقف، وجدرانه متصدّعة، حيث لم يصنْه حكامه منذ استقلاله، ولم يحصّنوه في وجه المعتدين المحتلين، بل أفسدوا وعبثوا بكلّ شيء، بدستوره، ونظامه، وطريقة حكمه، وإدارة مؤسساته، وكشفوا عن عجزهم، وأثبتوا عن فشلهم، وحجّموا قدراته العسكريّة مطلقين معادلة سياسية، عجيبة، غريبة لم يعرف العالم مثلها، إذ رأوا فيها أنّ “قوة لبنان في ضعفه”، ظناً منهم، أنّ دول الغرب التي يرتمون في أحضانها، ستضمن للبنان، سيادته، واستقراره وأمنه، ووحدته!

هل تجرؤ حكومة سلام لتقول بصوت عال، إنه بنزع سلاح المقاومة، ستنسحب “إسرائيل” من الأراضي اللبنانية المحتلة دون قيد أو شرط، وتتوقف عن اعتداءاتها؟! هل تضمن أن لا يتمدّد جيش الاحتلال على الأراضي اللبنانية بعد حصر السلاح بالدولة العلية؟! هل تضمن واشنطن أو موسكو، أو لندن، أو باريس، أو الأمم المتحدة ذلك؟! ومن سيصدّ العدوان “الإسرائيلي” على لبنان عندما يحصل؟!

اللبنانيّون لديهم الثقة الكاملة ببسالة، وشجاعة، ووطنية جيشنا، واستماتته عند الاستحقاق في الدفاع عن الوطن والشعب. لكن، هل أوْلت الحكومات المتعاقبة الاهتمام على تعزيز قدرات الجيش بما فيه الكفاية لصدّ أيّ عدوان؟! هل كان في نيّتها يوماً القيام بتسليح الجيش وتزويده بأسلحة نوعية حديثة كالتي تمتلكها الجيوش الأخرى، وتمكّنه من مواجهة أيّ عدوان، والدفاع عن لبنان في الأوقات العصيبة؟!

هل تظنّ الحكومة أنّ نزع السلاح وحصره في يد الدولة، سيجعل لبنان يأمن شرّ العدو، وأطماعه التوسعيّة في الجنوب؟! قد يقول بعض سذج السياسة، إنّ لبنان بدبلوماسيّته المرنة، قادر على تحرير أرضه وصون سيادته واستقلاله! ليقل لنا هؤلاء متى، وكيف وأين، ومع مَن؟!

ألم يكن جنوب لبنان تحت الاحتلال منذ عام 1982 وحتى عام 2000؟! ما الذي فعلته وحققته الدولة اللبنانية ودبلوماسيّتها، بعد صدور قرار مجلس الأمن 425، مع واشنطن ولندن وباريس، والأمم المتحدة وداخل المؤتمرات والمنظمات الدوليّة؟! ليقل لنا “الحريصون على السيادة، من حرّر لبنان فعلياً من الاحتلال، وأجبر “إسرائيل” على الانسحاب بعد 22 عاماً من المقاومة؟ أضعفه أم قوته؟!

من قال إنّ هناك حريصين على السيادة، وآخرين مفرّطون بها؟! أبِنزع السلاح، وتجريد لبنان من القوى المؤازرة لجيشه الوطنيّ، يتمّ تحرير لبنان وصون سيادته! كيف يمكن الدفاع عن وطن بلا سقف، يتواجد على أرضه جيش احتلال، يقتل ويدمّر، فيما خلايا إرهابيّة نائمة، وشبكات تجسّسيّة من كلّ جانب، وسلالة عملاء ومأجورين، رهنوا أنفسهم للخارج، ينتشرون على الأرض اللبنانيّة، ينتهزون الفرصة للانقضاض عليه بعد تعريته من قوته!

لبنان أمام استحقاق خطير، يهدّد وحدة شعبه وأرضه ووجوده، ويقوّض كيانه. لذا على الزعماء والمسؤولين اللبنانيين، والسياسيين، المندفعين باتجاه نزع السلاح، الذين يراهنون على الدبلوماسية، وبالذات على الأميركي، أمام مسؤوليتهم الوطنية والتاريخية.

عليهم أن يعلموا جيداً انّ الولايات المتحدة لا تكترث بهم، ولا تكنّ لهم ولبلدهم أيّ اعتبار. لا تهمّها مصالح لبنان لا من قريب أو بعيد. إنّ مصالح واشنطن ليست في لبنان، وإنما في تل أبيب، وهي على استعداد للتضحية بلبنان وشعبه، في حال تعارضت مصالحه مع مصالح “إسرائيل”.

ألا يدرك هذا الأمر ويعلمه جيداً رئيس الحكومة، الذي كان يوماً مندوباً دائماً للبنان في الأمم المتحدة؟!

في صراعه مع الكيان “الإسرائيلي”، تتعاطى واشنطن مع لبنان من موقع الآمر الناهي، تخطط، تطلب، توجه، ترفض، تغضب، وترضى متى تشاء، تتحكّم بقراره الداخلي والخارجي، دون أن يجرؤ أحد على رفع رأسه بوجهها، أو معارضتها أو انتقادها، إما خوفاً أو رغبة، أو منفعة، أو رهبة، أو عمالة، فيما هي على استعداد في أيّ وقت أن تضع لبنان وشعبه على مذبح مصالحها ومصالح “إسرائيل” الاستراتيجية!

كيف يمكن للحكومة اللبنانية، أن تأخذ على عاتقها وحدها حماية أرضها و”سيادتها”، وتتصدّى للعدو، دون مشاركة شعبها، وهي التي عجزت، وفشلت منذ عقود ولا تزال عن تأمين أبسط مقوّمات العيش الكريم لشعبها، من كهرباء وماء، ورعاية صحيّة، وحلّ مشكلة النفايات، في وقت تلهث فيه وراء المساعدات، وتستجدي الصدقات، والهبات، والمكرمات الخارجية، بعد نهب منظّم لودائع الناس قامت به منظومة الفساد داخل الدولة العميقة.

ليقُل لنا الرئيس نواف سلام الذي شربت حكومته فجأة حليب السباع بقرارها حصر السلاح، كيف ستحمي لبنان من أطماع العدو به، وكيف ستصون سيادته، وتعيد شعب الجنوب المعذّب إلى أرضه، ويحرّرها من نير الاحتلال الإسرائيلي؟!

مَن هو المسؤول في لبنان، لديه الجرأة والصراحة والصدقيّة الكاملة ليقول بصوت عال، إنّ نزع السلاح، سيضمن انسحاب “إسرائيل” من كامل الأراضي اللبنانية المحتلة دون قيد أو شرط، وإن واشنطن ستكون في هذا المجال العرّاب “النزيه” و”الحريص” على مصالح لبنان وشعبه واستقراره؟!

الأيام المقبلة ستكشف للجميع مدى الأوهام التي تغلغلت في عقول العديد من المسؤولين والسياسيين ومدى الخطيئة الكبرى التي ارتكبتها الحكومة في قرارها الرامي إلى نزع سلاح مَن يدافع عن الأرض والسيادة الحقيقيّة، لكن بعد فوات الأوان!

قرار حكومة سلام، يمهّد للفتنة الكبرى بعينها، قرار لن يحمل للبنان إلا المزيد من الخوف من المستقبل، والفوضى، والمواجهة الساخنة الداخليّة! إنّ نزع السلاح بالقوة، إذا ما قامت به الدولة، سيقوّض وحدة لبنان وشعبه، وسلمه الأهلي بالصميم، ويغرقه في مستنقع من الدماء، لن يجد مَن ينقذه، وهذا ما يريده العدو ويتمنّاه له!

نواف سلام كان بين خيارين: إما السير وراء الخيار الأميركي ـ الإسرائيلي الذي يتيح للعدو استباحة لبنان في أيّ وقت كان، ونتف ريشه أمام دبلوماسية “السياديين”، وإما خيار أصحاب الأرض المتمسكين بها، والمدافعين بالدم عنها، وعن وجود وطنهم وكرامة شعبهم، وإنْ كانت التضحيات كبيرة جداً.

لم يكن أمام نواف سلام من خيار إلا الخيار الأميركي ـ الإسرائيلي، وهو الذي أتى “بمباركة” ودعم الولايات المتحدة، فكان عليه أن يكون وفياً لها، ولأوامرها، وليتحمّل بعد اليوم مسؤوليّته كاملة أمام الله، والشعب والتاريخ، وليحصد نتائج تداعيات قرار حكومته المستورد والمبهور بختم: “صنع في الولايات المتحدة”، وهو قرار سيُدخل لبنان في نفق مظلم طويل!

فخامة الرئيس! حذار حذار من لعب الحكومة بالنار، فمن غيركم يُطفئ الفتيل قبل الانفجار؟!

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى