مقالات وآراء

إسلام الغمري يكتب: عندما يرحل العظماء.. أنس الشريف يكتب بدمه ملحمة غزة الخالدة

مقدمة تمهيدية


هناك لحظات تمرّ في حياة الأمة لا تُقاس بالزمن، بل بعمق الأثر الذي تتركه في القلوب. لحظات يرحل فيها أناس كانوا أكبر من أسمائهم، وأعظم من حياتهم، لأنهم اختاروا أن يعيشوا للحق، وأن يموتوا عليه. ومن بين هؤلاء، يسطع اسم الشهيد أنس الشريف، الذي حوّل مهنته كصحفي إلى جهاد بالكلمة والصورة، حتى صار صوته مرآة لآلام غزة وآمالها، وعينه نافذةً يطل منها العالم على الحقيقة العارية من كل تزوير.

……..
رحل أنس الشريف… لكن صوته ما زال يتردّد في أزقة جباليا، وفي كل حارة من حواري غزة الصامدة. رحل الجسد، لكن الكاميرا التي حملها لم تسقط، بل تحوّلت إلى راية ترفرف في سماء الكرامة. أنس، مراسل الجزيرة، لم يكن مجرّد صحفي ينقل الأخبار، بل كان عينًا ساهرة وضميرًا حيًّا، يقارع الجوع والعطش والتعب، ليشهد العالم على الحقيقة كما هي، بلا رتوش ولا تزوير.

في زمنٍ يُستباح فيه الدم الفلسطيني على مرأى ومسمع العالم، وقف أنس كالطود الشامخ، لا يخشى القصف ولا يساوم على كلمة الحق. عرفه الناس بابتسامته الواثقة، وصوته الثابت حتى في أكثر اللحظات رعبًا. كان يطلّ عبر الشاشة ليقول: “غزة هنا… وشعبها حيّ، لا يموت.”

ولم تكن كلماته الأخيرة إلا امتدادًا لرحلته النقية، إذ أوصى في وصيته:

“أوصيكم بفلسطين… درةَ تاج المسلمين ونبضَ قلب كل حر في هذا العالم.
أوصيكم ألا تُسكتكم القيود، ولا تُقعدكم الحدود، وكونوا جسورًا نحو تحرير البلاد والعباد…”

لكن رصاصة الغدر الإسرائيلية باغتته، فأسكتت صوته، ظنًا أنها تطفئ الحقيقة. لم يدركوا أن دماء الشهداء هي الحبر الذي تُكتب به ملاحم الحرية. أنس مضى إلى ربه، تاركًا خلفه وصية بحجم الوطن: أوصى بفلسطين وأطفالها، بأهله وأحبته، بابنته شام وابنه صلاح، بأمه التي كانت دعواتها حصنه الحصين، وبزوجته التي بقيت على العهد كجذع زيتونة لا ينحني.

لقد أدّى أنس ما عليه وزيادة، عاش وفي قلبه يقين أن ما عند الله خير وأبقى. واليوم، ونحن نودّعه شهيدًا، نسأل أنفسنا: ماذا عنّا نحن؟ ماذا فعلنا لفلسطين، لغزة، لأطفالها الذين يسقطون تحت القصف بلا ذنب؟

غزة تُباد على مرأى ومسمع من العالم. الطائرات تقصف، والمنازل تُسوّى بالأرض، والمستشفيات تُدمَّر، والماء والدواء يُمنعان عن أهلها، وملايين الأنفاس تُحاصر حتى الاختناق… ومع ذلك، يلتزم كثيرون الصمت، وكأن الدم الفلسطيني أرخص من أن يكلّفهم كلمة أو موقفًا.

أين العرب؟ أين المسلمون؟ أين الأحرار؟ أما آن للأمة أن تتحرك كما تحرك أنس الشريف بالكلمة والصورة؟ أما آن أن يتحوّل الغضب إلى فعل، والتعاطف إلى دعم، والوعود إلى خطوات على الأرض؟

نداء إلى الأمة


أيها الأحرار في كل مكان… دماء أنس الشريف أمانة في أعناقنا جميعًا، ووصيته ليست مجرد كلمات تُقرأ وتُطوى، بل عهدٌ يجب أن نحمله ما حيينا. إن فلسطين ليست قضية أهلها وحدهم، بل قضية الأمة كلها. وإن تركناها اليوم، فسيكتب التاريخ أننا رأينا الظلم بأعيننا وسكتنا، وسمعنا استغاثات الأطفال فلم نلبِّها.
فلنقف جميعًا صفًا واحدًا، بالكلمة، بالموقف، بالدعم، حتى تشرق شمس الحرية على غزة وفلسطين كلها. فدم الشهداء لن يجف حتى يتحقق النصر، وإن رحل أنس الشريف، فإن الملايين منّا يجب أن يصبحوا أنسًا جديدًا… حتى آخر نفس.

خاتمة شعارية


غزة لا تنكسر… وفلسطين لا تُباع… ودم أنس الشريف سيبقى شاهدًا أن الحق لا يموت.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى