مقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب: سؤال؟

يسألني البعض، وبحق:

لماذا صرتُ تفتح أبواب الثقافة، وتغوص في عوالم الحضارة، ، وقد عرفناك ردحًا طويلًا من الزمن مقيمًا في قلب السياسية لا تبرحها لغيرها؟

وأقول لهم: لم أترك السياسة، لكني أطرق أبوابها المختلفة، وأحيانًا نوافذها العالية، بحثًا عن نفس الهدف والغاية…

فبغير الثقافة لا وعي، وبغير الوعي لا هوية، وبغير الهوية لا انتماء… وبغير هذه الثلاثة، لا يمكن لأي مجتمع أن يخطو خطوة واحدة نحو إصلاح حقيقي أو تغيير مستحق في عالم السياسة.

ولعلني أختصر الإجابة في قصة قصيرة من الأدب المكسيكي تقول:

كان الأب غارقًا في جريدته، يتتبع الأخبار ، فيما ظلّ طفله يطارده بأسئلته ولعبه وضحكاته.

ضاق الأب، فانتزع صفحة من الصحيفة عليها خريطة للعالم، ثم مزقها، وألقاها للصغير، وهو واثق أن هذا الفتات الورقي سيشغله طويلًا.

لكن بعد دقائق، عاد الطفل بالخريطة كاملة. رفع الأب رأسه متعجبًا:

“كيف فعلت هذا وحدك؟”

ابتسم الصغير وقال:

“كان يا ابي على الوجه الآخر من ورقة الخريطه التي مزقتها صورة لإنسان، وعندما أعدت بناء الإنسان… أعدت بناء العالم.”

🔸 تلك الحكمة العفوية هي مفتاح كل شيء: فالخرائط لا تستقيم إذا كان الإنسان مكسورًا، والأوطان لا تزدهر إذا كان قلبها مقهورًا، والجسور لا تعبر بنا إلى الغد إذا كان الوعي مُكبَّلًا.

يا ساده….

من فرط الغباء أن تفعل ذات الاشياء وتنتظر إدراك نتيجة مختلفة!

فالاصلاح يبقي عصيا أن لم يبدأ من الإنسان؛ من عقله الحر، وكرامته التي لا تُباع، وحقه في أن يحلم بلا خوف، وأن يعيش بلا قيد.

الفشل، كل الفشل، أن نترك الإنسان يتآكل في الهامش…

حتى نصحو ذات صباح لنكتشف أن الوطن نفسه ضاع.

هذه ليست مغادرة لساحة السياسة، بل دخول إليها من أوسع أبوابها…

باب الثقافة والوعي والهوية.

فمن أعاد بناء الإنسان… أعاد بناء الوطن.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى