
استيقظتُ أمس على أصوات التهاني تتساقط في هاتفي كما تتساقط أوراق الشجر في آخر الخريف، يباركون لي عامًا جديدًا من عمري… وأنا لا أدري متى بدأ العام الماضي، ولا كيف انتهى، ولا متى غادرني دون أن يطرق بابي.
عامٌ مضى، لكنه لم يكن سوى فصل طويل من الألم… مرّ عليّ وعلى أمتي وعلى غزة، كأنه قرن من الحصار والقصف والدماء.

عامٌ كانت فيه غزة تنزف كل يوم، والموت يحصد الأطفال والنساء والشيوخ، والمنازل تتحول إلى ركام، والأرض تتقلب بين اللهب والرماد.
في كل صباح، أفتح الأخبار، فلا أرى إلا صور الشهداء… أسماء تُرفع إلى السماء قبل أن تنطق بها الأرض.
وفي كل مساء، أحاول أن أحتسي قهوة الصباح المتأخرة، فتتسلل دموعي إلى فنجاني، وأنا أذكر إخوةً لي يموتون عطشًا وجوعًا وبردًا وحرًا… فأعجز حتى عن إكمال رشفة.
أما العالم الغربي، فقد أتقن دور المتواطئ الذي يبتسم وهو يمد القاتل بالسلاح والمعلومات. والعالم العربي، أو بعضه، شدد الحصار على غزة، وضغط على المقاومة، وحاول أن يصنع من الجاني ضحية، ومن الضحية مجرمًا.
أبحث عن الشعوب الإسلامية، فلا أجد إلا النزر القليل يتحرك، بينما شعوب الغرب الحر لا تكلّ عن التظاهر، ترفع أصواتها في وجه الهولوكست الصهيوني، وتبتكر ألف طريقة لتقول: لا.
وحدها مشاهد المقاومة تشعل روحي من جديد:
بيان أبي عبيدة، ابتسامة السنوار وهو يقلب حسابات العالم، قذيفة “الياسين” وهي تمزق أسطورة الدبابة، أو صوت الشيخ الذي صدق الله، فصدقه الله، وبشر بزوال الكيان… فأضاء قلوبنا باليقين أن النصر قريب.
مر عام، وبدأ آخر… لكن قلبي لا يطلب منه إلا أمرين:
أن يكون عامًا من الطاعات، وعامًا من النصر لغزة وفلسطين، وعامًا تستفيق فيه الأمة من غفلتها، وتعود إلى رشدها، وتوحد صفها.
أما أنا، فكل ما أريده من يوم ميلادي… أن يكون ما تبقى من عمري في سبيل الله، وأن أخرج من الدنيا وقد وضعت حجراً في طريق النصر، أو كلمة في وجه الظلم، أو دمعة على شهيد لم يجد من يبكيه.